وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نار بني آدم التي يوقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها.
وعن أبي هريرة قال أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون، إنها لأشد سواداً من القار، والآية دلت على أنها مخلوقة الآن إذ الإخبار عن إعدادها بلفظ الماضي دليل على وجودها وإلا لزم الكذب في خبر الله تعالى، فما زعمته المعتزلة من أنها تخلق يوم الجزاء مردود، وتأويلهم بأنه يعبر عن المستقبل بالماضي لتحقق الوقوع ومثله كثير في القرآن مدفوع بأنه خلاف الظاهر، ولا يصار إليه إلا بقرينة، والأحاديث الصحيحة المتقدمة تدفعه.
(وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات) لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه وتعالى في كتابه العزيز لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه، والتبشير الإخبار بما يظهر أثره على البشرة وهي الجلدة الظاهرة من البشر والسرور، والمأمور بالتبشير قيل هو النبي - ﷺ - وقيل هو كل أحد كما في قوله - ﷺ - " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة " والصالحات الأعمال المستقيمة، والمراد هنا الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم، وفيه رد على من يقول أن الإيمان بمجرده يكفي، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح قيل هو ما كان فيه أربعة أشياء العلم والنية والصبر والإخلاص، يعني عن الرياء قاله عثمان.
(أن لهم جنات) جمع جنة وهي البساتين وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها أي تستره بشجرها أو تسترها بالأشجار والأوراق، وقيل الجنة ما فيه نخل والفردوس ما فيه كرم وهي اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة (تجري) أي على ظهر الأرض من غير حفيرة بل هي متماسكة


الصفحة التالية
Icon