تقدم، وقيل هو جار على سبيل التمثيل، وضرب المثل اعتماده وصنعه، والبعوض صغار البق، الواحدة بعوضة سميت بذلك لصغرها، قاله الجوهري وغيره، وهو من عجيب خلق الله في غاية الصغر شديد اللسع وله ستة أرجل وأربعة أجنحة وله ذنب وخرطوم مجوف، وهو مع صغره يغوص خرطومه في جلد الفيل والجاموس والجمل فيبلغ منه الغاية.
(فما فوقها) يعني الذباب والعنكبوت وما هو أعظم منهما في الجثة، قال الكسائي والفراء، الفاء هنا بمعنى إلى، وقيل معناه فما دونها وأصغر منها، وهذا القول أشبه بالآية لأن الغرض بيان أن الله تعالى لا يمتنع من التمثيل بالشيء الصغير الحقير، وقد ضرب النبي - ﷺ - مثلاً للدنيا بجناح البعوضة وهو أصغر منها، وقد ضربت العرب المثل بالمحقرات فقيل هو أحقر من ذرة، وأجمع من نملة، وأطيش من فراشة، وألح من ذبابة.
(فأما الذين آمنوا) بمحمد- ﷺ - والقرآن (فيعلمون أنه) يعني ضرب المثل (الحق) أي الثابت الواقع موقعه، وهو المقابل للباطل، والحق واحد الحقوق، والمراد هنا الأول، وقد اتفق المسلمون على أنه يجوز إطلاق هذا اللفظ على الله سبحانه (من ربهم) لا يجوز إنكاره لأن ضرب الأمثال من الأمور المستحسنة في العقل وعند العرب (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً) أي بهذا المثل، والإرادة نقيض الكراهة، وقيل هي نزوع أي اشتياق النفس وميلها إلى فعل بحيث يحملها عليه، أو هي قوة هي مبدأ النزوع، والأول مع الفعل، والثاني قبله، وإرادته سبحانه ترجيح أحد مقدوريه على الآخر بالإيقاع أو معنى يوجب هذا الترجيح، والإرادة صفة له ذاتية قديمة زائدة على العلم.
(يضل به كثيراً) أي من الكفار، وذلك أنهم يكذبونه فيزدادون به ضلالاً (ويهدي به كثيراً) يعني المؤمنين يصدقونه ويعلمون أنه حق، وهو كالتفسير للجملتين السابقتين المصدرتين بإما فهو خبر من الله سبحانه، وقيل هو حكاية لقول الكافرين كأنهم قالوا ما مراد الله بهذا المثل الذي يفرق به الناس إلى ضلالة وإلى هدى، وليس هذا بصحيح، فإن الكافرين لا يقرون بأن في