ثم صنف بعد ذلك قوم برعوا في شيء من العلوم، ومنهم من ملأ كتابه بما غلب على طبعه من الفن واقتصر فيه على ما تمهر هو فيه، كأن القرآن أنزل لأجل هذا العلم لا غير، مع أن فيه تبيان كل شيء، فالنحوي تراه ليس له إلا الإعراب وتكثير الأوجه المحتملة فيه وإن كانت بعيدة وينقل قواعد النحو ومسائله وفروعه وخلافياته كالزجاج والواحدي في البسيط وأبي حيان في البحر والنهر، والإخباري ليس له شغل إلا القصص واستيفاؤها والاخبار عمن سلف سواء كانت صحيحة أو باطلة، ومنهم الثعلبي، والفقيه يكاد يسرد فيه الفقه جميعاً وربما استطرد إلى إقامة أدلة الفروع الفقهية التي لا تعلق لها بالآية أصلاً، والجواب عن الأدلة للمخالفين كالقرطبي وصاحب المظهري وصاحب العلوم العقلية خصوصاً فخر الدين الرازي قد ملأ تفسيره بأقوال الحكماء والفلاسفة وخرج من شيء إلى شيء حتى يقضي الناظر العجب، قال أبو حيان في البحر: جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء: فيه كل شيء إلا التفسير.
والمبتدع ليس له إلا تحريف الآيات وتسويتها على مذهبه الفاسد بحيث أنه لو لاح له شارد من بعيد اقتنصه أو وجد موضعاً له فيه أدنى مجال سارع إليه، كما نقل عن البلقيني أنه قال استخرجت من الكشاف اعتزالاً بالمناقيش، منها أنه قال في قوله سبحانه وتعالى (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) أي فوز أعظم من دخول الجنة، وأشار به إلى عدم الرؤية.
والملحد لا تسأل عن كفره وإلحاده في آيات الله وافترائه على الله ما لم يقله، كقول بعضهم في تفسير قوله تعالى (وإن هي إلا فتنتك) ما على العباد أضر من ربهم، وينسب هذا القول إلى صاحب قوت القلوب.
ومن ذلك القبيل الذين يتكلمون في القرآن بلا سند ولا نقل عن السلف، ولا رعاية للأصول الشرعية، والقواعد العربية، كتفسير محمود بن حمزة الكرماني ضمنه أقوالاً هي عجائب عند العوام، وغرائب عما عهد عن السلف الكرام، وهي أقوال منكرة لا يحل الاعتقاد عليها ولا ذكرها إلا للتحذير.