أشد مبالغة من الرحيم، وفي كلام ابن جرير ما يفهم حكاية الاتفاق على هذا ولذلك قالوا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وقد تقرر أن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى وقال ابن الأنباري والزجاج أن الرحمن عبراني، والرحيم عربي، وخالفهما غيرهما (قال القرطبي) وصف نفسه بهما لأنه لما كان باتصافه برب العالمين ترهيب قرنه بالرحمن الرحيم لا تضمن من الترغيب ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، وقيل فائدة تكريره هنا بعد الذكر في البسملة أن العناية بالرحمة أكثر من غيرها من الأمور، وإن الحاجة إليها أكثر، فنبه سبحانه بتكرير ذكر الرحمة على كثرتها وأنه هو المتفضل بها على خلقه، وفيه إثبات الصفات الذاتية كما في التي قبلها إثبات الصانع وحدوث العالم.
(مالك) قد اختلف العلماء أيما أبلغ " ملك " أو " مالك " والقراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر، ذكرهما الترمذي، فذهب إلى الأول أبو عبيد والمبرد، ورجحه الزمخشري، وإلى الثاني أبو حاتم والقاضي أبو بكر بن العربي، والحق أن لكل واحد من الوصفين نوع أخصية لا يوجد في الآخر فالمالك يقدر على ما لا يقدر عليه الملك من التصرفات بما هو مالك له بالبيع والهبة والعتق ونحوها، والملك يقدر على ما لا يقدر عليه المالك من التصرفات العائدة إلى تدبير الملك وحياطته ورعاية مصالح الرعاية، فأحدهما أقوى من الآخر في بعض الأمور، والفرق بين الوصفين بالنسبة إلى الرب سبحانه أن الملك صفة لذاته والمالك صفة لفعله وقيل بينهما عموم مطلق، فكل ملك مالك، ولا عكس، لعموم ولاية الملك التزاماً لا مطابقة، قاله التفتازاني، وقيل هما بمعنى.
وقد أخرج الترمذي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقرأ " ملك " بغير ألف. وأخرج نحوه ابن الأنباري عن أنس، وأخرج أحمد والترمذي عن أنس أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر