وتعيين لما هو الأهم أو بيان لها أي أرشدنا وقيل ثبتنا على المنهاج الواضح، أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال، وهذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية بمعنى سؤال التثبيت وطلب مزيد الهداية والثبات عليه، لأن الألطاف والهدايات من الله تعالى لا تتناهى، قال الله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى) الآية وقال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) والهداية هي الإرشاد والتوفيق والتبيين أو الإلهام أو الدلالة بلطف على ما يوصل إلى البغية. ثم هي قد يتعدى فعلها بنفسه كما هنا وكقوله (وهديناه النجدين) وقد يتعدى بإلى كقوله (اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم) وقوله (فاهدوهم إلى صراط الجحيم- وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم) وقد يتعدى باللام كقوله (هدانا لهذا) وقوله (ويهدي للتي هي أقوم) وقال الزمخشري أصله أن يتعدى باللام أو بإلى، انتهى.
وفرق كثير من المتأخرين بين المتعدي بنفسه وغير المتعدي، فقالوا معنى الأول الإيصال ومعنى الثاني الدلالة، والصراط بالصاد الخالصة لغة قريش، وهي الجادة، والسين قراءة ابن كثير في كل القرآن، ويذكر ويؤنث كالطريق والسبيل، فالتذكير لغة تميم، والتأنيث لغة الحجاز، وجمعه صُرُط، وقد تشم الصاد صوت الزاي تحرياً للقرب من المبدل منه، وقد قرىء بهن جميعاً وفصحاهن الصاد، وهي الثابتة في الإمام أي في مصحف عثمان رضي الله عنه كتابة وخطاً المسمى إماماً عند القراء والمفسرين وغيرهم، فإن الإمام لغة ما يؤتم ويقتدى به فيتبع وإن لم يكن من العقلاء، ولهذا أطلق على اللوح والكتاب كما قال تعالى: (ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة) فسمى الكتاب إماماً على وجه.
وقد كان سنة ثلاثين لما سار حذيفة رضي الله عنه لبعض الغزوات وعاد قال لعثمان رضي الله تعالى عنه إني رأيت أمراً عجيباً رأيت الناس يقول بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك، فإن تركوا ليختلفوا في القرآن فيكون لذلك أمر، فجمع عثمان الصحابة رضي الله عنهم واستشارهم فأشاروا عليه