الثامن والعشرون: قوله (صراط الذين أنعمت عليهم) فإن من يهدى إلى هذا الصراط الذي هو صراط من أنعم الله عليهم يستحق أن لا يشتغل بغيره ولا ينظر إلى سواه، لأن الإيصال إلى طرائق النعم هو المقصود من المشي والمراد بحركات السائرين، وذلك كناية عن الوصول إلى النعم نفسها إذ لا اعتبار بالوصول إلى طرائقها من دون وصول إليها، فكان وقوع الهداية على الصراط المستقيم نعمة بمجردها، لأن الاستقامة إذا تصورت عند تصور الاعوجاج كان فيها راحة بهذا الاعتبار، فكيف إذا كان ذلك كناية عن طريق الحق، فكيف إذا كان حقاً موصلاً إلى الفوز بنعم الله سبحانه.
التاسع والعشرون: قوله (غير المغضوب عليهم) ووجه ذلك أن الوصول إلى النعم قد يكون منغصاً مكدراً بشيء من غضب المنعم سبحانه، فإذا صفا ذلك عن هذا الكدر وانضم إلى الظفر بالنعم الظفر بما هو أحسن منها موقعاً عند العارفين، وأعظم قدراً في صدور المتقين، وهو رضا رب العالمين، كان في ذلك من البهجة والسرور ما لا يمكن التعبير عنه، ولا الوقوف على حقيقته ولا تصور معناه. وإذا كان المولى لهذه النعمة والمتفضل بها هو الله تعالى ولا يقدر على ذلك غيره ولا يتمكن منه سواه، فهو المستحق لإخلاص توحيده وإفراده بالعبادة.
الموفى ثلاثين: قوله (ولا الضآلين) ووجهه أن الوصول إلى النعم مع الرضا قد يكون مشوباً بشيء من الغواية، مكدراً بنوع من أنواع المخالفة وعدم الهداية، وهذا باعتبار أصل الوصول إلى نعمة من النعم مع رضا المنعم بها فإنه لا يستلزم سلب كون المنعم عليه على ضلالة لا باعتبار هذه النعمة الخاصة من هذا المنعم عز وجل.
ولما كان الأمر في الأصل هكذا كان في وصول النعم إلى المنعم عليه من المنعم بها مع كونه راضياً عليه غير غاضب عنه، إذا كان ذلك الوصول مصحوباً بكون صاحبه على ضلالة في نفسه قصور عن وصولها إلى من كان


الصفحة التالية
Icon