يفعلوا ذلك إلا بعد أن تقدمه ما يدل عليه ويفيد معناه بحيث لا يلتبس على سامعه كمثل ما تقدم ذكره، ومن هذا القبيل ما يقع منهم من الترخيم، وأين هذه الفواتح الواقعة في أوائل السور من هذا.
وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذ إلا أحد أمرين (الأول) التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه والصد عنه والتنكب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبة لهم يتلاعبون به ويضعون حماقات أنظارهم، وخزعبلات أفكارهم عليه (الثاني) التفسير بتوقيف عن صاحب الشرع، وهذا هو المهيع الواضح والسبيل القويم بل الجادة التي ما سواها مردوم، والطريقة العامرة التي ما عداها مهدوم، فمن وجد شيئاً من هذا فغير ملوم أن يقول بملء فيه ويتكلم بما وصل إليه علمه، ومن لم يبلغه شيء من ذلك فليقل لا أدري أو الله أعلم بمراده، فقد ثبت النهي عن طلب فهم المتشابه ومحاولة الوقوف على علمه، مع كونه ألفاظاً عربية، وتراكيب مفهومة، وقد جعل الله تتبع ذلك صنيع الذين في قلوبهم زيغ، فكيف بما نحن بصدده، فإنه ينبغي أن يقال فيه أنه متشابه المتشابه، على فرض أن للفهم إليه سبيلاً، ولكلام العرب فيه مدخلاً، فكيف وهو خارج عن ذلك على كل تقدير.
وانظر كيف فهم اليهود عند سماع (الم) فإنهم لما لم يجدوها على نمط لغة العرب فهموا أن الحروف المذكورة رمز إلى ما يصطلحون عليه من العدد الذي يجعلونه لها كما أخرج ابن اسحق والبخاري في تاريخه وابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من يهود برسول الله - ﷺ - وهو يتلو فاتحة سورة البقرة
(الم ذلك الكتاب لا ريب فيه) فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمداً يتلو فيما أنزل عليه (الم ذلك الكتاب) فقال أنت سمعته فقال نعم، فمشى حيي في أولئك النفر إلى رسول الله - ﷺ - فقالوا يا محمد ألم