المتأخر، وفي كثير مما اختلفوا فيه إن علموا بالنص تركوا ذلك بخلاف ما هنا، والله أعلم.
والذي أراه لنفسي ولكل من أحب السلامة واقتدى بسلف الأئمة أن لا يتكلم بشيء من ذلك، مع الإعتراف بأن في إنزالها حكمة لله عز وجل لا تبلغها عقولنا، ولا تهتدي إليها أفهامنا، وإذا انتهيت إلى السلامة في مداك فلا تجاوز، وسيأتي لنا عند تفسير قوله تعالى: (منه آيات محكمات هنَّ أم الكتاب
وأخر متشابهات) كلام طويل الذيول وتحقيق تقبله صحيحات الأفهام وسليمات العقول.
(ذلك الكتاب) أي القرآن، وقيل فيه اضمار أي هذا الكتاب الذي وعدتك به أو وعدت به على لسان موسى وعيسى أن أنزله عليك، قال ابن عباس في الآية يعني هذا الكتاب، وبه قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والسدي ومقاتل وزيد بن أسلم وابن جريج، وحكاه البخاري عن أبي عبيدة، والإشارة إلى الكتاب المذكور بعده، والعرب قد تستعمل الإشارة إلا البعيد الغائب، مكان الإشارة إلى القريب الحاضر، ومنه قوله تعالى (ذلك عالم الغيب والشهادة) وقوله (تلك حجتنا آتيناها إبراهيم) وقوله (تلك آيات الكتاب) وقوله (ذلكم حكم الله) قال أبو السعود وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه، وكونه في الغاية القاصية من الفضل والشرف، انتهى.
وقيل إن الإشارة إلى غائب، واختلف في ذلك الغائب، فقيل هو الكتاب الذي كتب على الخلائق بالسعادة والشقاوة والأجل والرزق، وقيل الكتاب الذي كتبه الله على نفسه في الأزل كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله " لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه فهو موضوع عنده إن رحمتي تغلب غضبي (١) " وفي رواية " سبقت " وقيل الإشارة إلى ما قد
_________
(١) مسلم/٢٧٥١ وفي رواية لما خلق الله الخلق... البخاري/١٥٠٩.