تشاهد ولا تحس، بل كل ما يعقل ولا يمكن أن يشاهد بحال فإنما يكون في الذهن، والملائكة يمكن أن يشاهدوا ويروا الرب تعالى، وممكن رؤيته بالأبصار والمؤمنون يرونه يوم القيامة وفي الجنة كما تواترت النصوص في ذلك عن النبي - ﷺ -، واتفق على ذلك سلف الأمة وأئمتها، وإمكان رؤيته يعلم بالدلائل العقلية القاطعة، لكن ليس هو الدليل الذي سلكه طائفة من أهل الكلام كأبي الحسن وأمثاله حيث ادعوا أن كل موجود يمكن رؤيته، بل قالوا وممكن أن يتعلق به الحواس الخمس السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فإن هذا مما يعلم فساده بالضرورة عند جماهير العلماء، وهذا من أغاليط بعض المتكلمين، هذا. قوله (ويقيمون الصلاة) أي يداومون عليها، والإقامة في الأصل الدوام والثبات، وليس من القيام على الرجل، وإنما هو من قولك قام الحق أي ظهر وثبت، وإقامة الصلاة أداؤها بأركانها وسننها وهيآتها في أوقاتها وحفظها من أن يقع فيها خلل في فرائضها وحدودها وزيغ في أفعالها وإتمام أركانها، والصلاة أصلها في اللغة الدعاء من صلى يصلي إذا دعا، ذكر هذا الجوهري وغيره، وقال قوم هي مأخوذة من الصلا، وهو عرق في وسط الظهر ويفترق عند العجب، ذكر هذا القرطبي، وهذا هو المعنى اللغوي.
وأما المعنى الشرعي فهو هذه الصلاة التي هي ذات الأركان والأذكار، قال ابن عباس المراد به الصلوات الخمس وقال قتادة إن إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها.
(ومما رزقناهم ينفقون) أي يخرجون ويتصدقون في طاعة الله وفي سبيله والرزق عند الجمهور ما صلح للإنتفاع به حلالاً كان أو حراماً خلافاً للمعتزلة فقالوا إن الحرام ليس برزق، وللبحث في هذه المسألة موضع غير هذا، والإنفاق إخراج المال من اليد وأنفق الشيء وأنفده أخوان، ولو استقريت الألفاظ وجدت كل ما فاؤه نون وعينه فاء دالاً على معنى الذهاب والخروج.
وفي المجيء بمن التبعيضية ههنا نكتة سرية هي الإرشاد إلى ترك


الصفحة التالية
Icon