اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨)
(الله يستهزىء بهم) أي ينزل بهم الهوان والحقارة وينتقم منهم ويستخف بهم انتصافاً منهم لعباده المؤمنين، وجزاء لاستهزائهم بهم، فسمى الجزاء باسمه، لأنه في مقابلته، وورد ذلك في القرآن كثيراً ومنه (جزاء سيئة سيئة مثلها، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداء لأنه حق، ومنه (ومكروا ومكر الله) (إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً) (وتعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك) وهو في السنة كثير كقوله - ﷺ - " إن الله لا يمل حتى تملوا "، وإنما قال (الله يستهزىء بهم) لأنه يفيد التجدد وقتاً بعد وقت وهو أشد عليهم وأنكى لقلوبهم، وأوجع لهم من الإستهزاء الدائم الثابت المستفاد من الجملة الاسمية لأنه يألفه ويوطن نفسه عليه، قال ابن عباس يفتح لهم باب الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم وردوا إلى النار.
(ويمدهم) أي يتركهم ويمهلهم ويطيل لهم المدة كما قال (إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) والمد الزيادة قال يونس بن حبيب يقال أمد في الشر وأمد في الخير، ومنه (وأمددناهم بأموال وبنين، وأمددناهم بفاكهة) وقال الأخفش مددت له إذا تركته وأمددته إذا أعطيته (في طغيانهم) أي في ضلالهم وأصل الطغيان مجاوزة الحد ومنه (إنا لما طغى الماء) والغلو في الكفر (يعمهون) أي يترددون في الضلالة متحيرين، والعمه والعامه الحائر المتردد، والعمه في القلب كالعمى في العين، قال في الكشاف: العمه مثل العمى إلا أن العمى في البصر


الصفحة التالية
Icon