والرأي، والعمه في الرأي خاصة انتهى، فبينهما عموم وخصوص مطلقاً.
(أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) يعني المنافقين استبدلوا الكفر بالإيمان، وإنما أخرجه بلفظ الشراء والتجارة توسعاً على سبييل الاستعارة، فالشراء ههنا مستعار للاستبدال كقوله تعالى (فاستحبوا العمى على الهدى) فأما أن يكون معنى الشراء المعاوضة كما هو أصله حقيقة فلا لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين وما كانوا على الهدى فيبيعوا إيمانهم؛ والعرب قد تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئاً بشيء، وأصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد وفقد الإهتداء، ويطلق على النسيان ومنه قوله تعالى (فعلتها إذاً وأنا من الضالين) وعلى الهلاك كقوله تعالى (إذا ضللنا في الأرض) والهدى التوجه إلى القصد، وقد استعير الأول للعدول عن الصواب في الدين، والثاني للإستقامة عليه، قال ابن عباس في الآية اشتروا الكفر بالإيمان وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا؛ وقال قتادة قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
(فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا في تجارتهم، وأصل الربح الفضل عن رأس المال والتجارة صناعة التاجر، وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم: ربح بيعك وخسرت صفقتك، وهو من الإسناد المجازي وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني، والمراد ربحوا وخسروا (وما كانوا مهتدين) أي مصيبين في تجارتهم لأن رأس المال هو الإيمان، فلما أضاعوه واعتقدوا الضلالة فقد ضلوا عن الهدى، وقيل في شرائعهم الضلالة وقيل في سابق علم الله.
(مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً) المثل قول يشبه قولاً آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره، ولهذا ضرب الله الأمثال في كتابه. وهو أحد أقسام القرآن السبعة، ولما ذكر حقيقة وصف المنافقين عقبه بضرب المثل زيادة في الكشف والبيان، لأنه يؤثر في القلوب ما لا يؤثره وصف الشيء في