وينصرفوا منه حذراً من مخالطتهم، أو عجزاً عن السقي معهم، قرئ نسقي بفتح النون، وبضمها من أسقى، وقرئ يصدر من أصدر. ومن صدر يصدر لازماً: أي: يرجعون مواشيهم، والرعاء جمع راع على غير قياس؛ لأن فاعلا الوصف المعتل اللام كقاض قياسه فعله نحو قضاة ورماة خلافاً للزمخشري في أن جمعه على فعال قياس، كصيام وقيام قاله الكرخي. قرأ الجمهور: الرعاء بكسر الراء وقرئ بفتحها قال أبو الفضل: هو مصدر أقيم مقام الصفة فلذلك استوى فيه الواحد والجمع، وقرئ الرعاء بالضم اسم جمع.
(وأبونا شيخ كبير) عالي السن، وهذا من تمام كلامهما إبداء منهما للعذر في مباشرة السقي أنفسهما أي: لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر؛ فلذلك احتجنا ونحن امرأتان ضعيفتان مستورتان؛ لا نقدر على مزاحمة الرجال وعلى أن نسقي الغنم لعدم وجود رجل يقوم لنا بذلك، قيل: أبوهما شعيب وقيل: هو ثيرون ابن أخي شعيب، وقيل: هو رجل ممن آمن بشعيب؛ والأول أولى.
وإنما رضي شعيب لابنتيه بسقي الماشية، لأن هذا الأمر في نفسه ليس بمحظور، والدين لا يأباه. وأما المروءة فعادات الناس في ذلك متباينة، وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم، ومذهب أهل البدو فيه غير مذهب أهل الحضر، خصوصاً إذا كانت الحالة حالة الضرورة، فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما.
(فسقى لهما) أي: سقى أغنامهما لأجلهما رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، قال المحلي: سقى من بئر أخرى، لقربها، رفع حجراً عنها لا يرفعه إلا عشرة أنفس انتهى (ثم) لما فرغ من السقي لهما (تولى إلى الظل) أي: انصرف إليه فجلس فيه من شدة الحر وهو جائع. قيل: كان هذا الظل ظل سمرة هنالك، وهي شجرة من شجر الطلح وفيه دليل على جواز الاستراحة في الدنيا بخلاف ما يقوله بعض المتقشفة.


الصفحة التالية
Icon