القبيحة بتركيب الشهوة فيهم، حتى رأوها حسنة، وقيل: المراد أن الله زين لهم الأعمال الحسنة وذكر لهم ما فيها من خيري الدنيا والآخرة فلم يقبلوا ذلك. قال الزجاج: معنى الآية إنا جعلنا جزاءهم على كفرهم أن زينا لهم ما هم فيه بأن جعلناه مشتهى بالطبع محبوباً للنفس.
(فهم يعمهون) أي يترددون فيها متحيرين على الاستمرار، لا يهتدون. إلى طريقه، ولا يقفون على حقيقته؛ لعدم إداركهم قبحها في الواقع، وقيل: المعنى يتمادون، قاله أبو العالية وقال قتادة: يلعبون. وعن الحسن: يتحيرون. وقيل: يداومون وينهمكون فيها، ويستمرون. والمعاني متقاربة.
(أولئك الذين لهم سوء العذاب) أي: أشده، قيل: في الدنيا كالقتل والأسر ووجه تخصيصه بعذاب الدنيا قوله بعده:
(وهم في الآخرة هم الأخسرون) أي: هم أشد الناس خسراناً، وأعظمهم خيبة، فالمفضل عليه هو أنفسهم من حيث اعتبار اختلاف الزمان والمكان ثم مهد سبحانه مقدمة نافعة لما سيذكره بعد ذلك من الأخبار العجيبة، فقال مخاطباً للنبي - ﷺ -:
(وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم) أي: يلقى عليك بشدة فتلقاه، وتأخذه من لدن كثير الحكمة والعلم، ووجه الجمع بينهما -مع أن العلم داخل في الحكمة- أن العلم الذي يدخل فيها هو العلم العملي، وهو الذي يتعلق بكيفية عمل، والعلم أعم منه، فكأنه قيل: مصيب في أفعاله، لا يفعل شيئاًً إلا على وفق علمه، عليم بكل شيء، سواء كان ذلك العلم مؤدياً إلى العمل أم لا.
قيل: إن (لدن) هاهنا بمعنى عند، وفيها لغات كما تقدم في سورة الكهف، وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص وما في ذلك من لطائف حكمته، ودقائق علمه؛ وقد اشتملت هذه السورة على قصص خمس: الأولى هذه، وتليها قصة النملة، وتليها قصة بلقيس، وتليها قصة صالح، وتليها قصة لوط.


الصفحة التالية
Icon