(أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) أن هي المفسرة أو هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن؛ وجملة النداء مفسرة له، والأول أولى قرئ: إني بكسر الهمزة على إضمار القول أو على تضمين النداء معناه، والفتح قراءة ضعيفة. قال جعفر، أبصر ناراً دلته على الأنوار لأنه رأى النور في هيئة النار، فلما دنا منها شملته أنوار القدس، وأحاطت به جلابيب الأنس فخوطب بألطف خطاب واستدعى منه أحسن جواب فصار بذلك مكلماً شريفاً أعطي ما سأل، وأمن مما خاف.
قيل: إن موسى لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى وقيل: إن الله خلق في نفس موسى علماً ضرورياً بأن المتكلم هو الله وأن ذلك الكلام كلام الله، وذهب جماعة من المتكلمين منهم الغزالي إلى أنه سمع كلامه الأزلي النفسي بلا صوت ولا حرف، ولا دليل عليه. وقيل: غير ذلك مما لا فائدة في ذكره.
وقال في سورة طه: (إني أنا ربك) وقال في النمل (نودي أن بورك من في النار ومن حولها) وهما مخالفان لما هنا من حيث اللفظ إلا أن الجميع متوافق في المقصود وهو فتح باب الاستنباء وسوق الكلام على وجه يؤدي إليه قال الإمام: لا منافاة بين هذه الأشياء فهو تعالى ذكر الكل إلا أنه حكى في كل سورة بعض ما اشتمل عليه ذلك النداء انتهى.
(وأن ألق عصاك) وقد تقدم تفسير هذا وما بعده في طه والنمل، وفي الكلام حذف، أي فألقاها فصارت ثعباناً فاهتزت (فلما رآها تهتز) أي: تتحرك (كأنها جان) في سرعة حركتها، مع عظم جسمها (ولى مدبراً) أي هارباً منهزماً (ولم يعقب) أي: لم يرجع فنودي:
(يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) من أن ينالك مكروه من الحية؛ وقد تقدم تفسير جميع ما ذكر هنا مستوفى فلا نعيده وكذلك قوله:


الصفحة التالية
Icon