(ويوم القيامة هم من المقبوحين) المبعدين، والمقبوح: المطرود المبعد وقال أبو عبيدة، وابن كيسان: معناه من المهلكين الممقوتين، وقال أبو زيد: قبح الله فلاناً قبحاً وقبوحاً أبعده من كل خير.
قال أبو عمرو: قبحت وجهه فالتخفيف بمعنى قبحت بالتشديد، وقيل: المقبوح: المشوه الخلقة أي فهم من الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجوه، والقبيح أيضاً عظيم الساعد، مما يلي النصف منه، إلى المرفق والعامل في يوم محذوف، يفسره (من المقبوحين) أي وقبحوا يوم القيامة وهو الأظهر، أو هو معطوف على موضع (في هذه الدنيا) أي: وأتبعناهم لعنة يوم القيامة، أو معطوف على (لعنة) على حذف مضاف أي: ولعنة يوم القيامة، والوجه الثاني أظهر.
(ولقد آتينا موسى الكتاب) أي التوراة (من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) أي قوم نوح، وعاد، وثمود، وغيرهم. وقيل: من بعد ما أهلكنا فرعون وقومه، وخسفنا بقارون. والتعرض لكون إيتاء التوراة بعد إهلاك الأمم الماضية للإشعار بمسيس الحاجة الداعية إليها تمهيداً لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن على رسول الله.
فإن إهلاك القرون الأولى من موجبات اندراس معالم الشرائع، وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين إلى اختلال نظام العالم المستدعيين للتشريع الجديد، بتقرير الأصول الباقية على ممر الدهور، وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور، وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة، كأنه قيل: ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إليها.
أخرج البزار، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: " ما أهلك الله قوماً؛ ولا قرناً، ولا أمة، ولا أهل قرية بعذاب من السماء منذ أنزل التوراة على وجه الأرض غير القرية التي مسخت قردة "، ألم تر إلى قوله (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما


الصفحة التالية
Icon