الترتيب الوقوعي أن تقدم عليهما وإنما وسطت بينهما للتنبيه على أن كُلاًّ منهما برهان مستقل على أن إخباره - ﷺ - عن هذه القصص بطريق الوحي الألهي ولو روعي الترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر.
(تتلو عليهم) أي: تقرأ على أهل مدين (آياتنا) وتتعلم منهم، وقيل: تذكرهم بالوعد والوعيد، وقيل: الضمير لأهل مكة، والمعنى عليه واضح، وأكثر المفسرين على الوجه الأول والجملة في محل نصب على الحال، أو خبر ثان، ويجوز أن تكون هذه الجملة هي الخبر وثاوياً حال، وجعلها الفراء مستأنفة، كأنه قيل: وها أنت تتلو على أمتك.
(ولكننا كنا مرسلين) أي: أرسلناك إلى أهل مكة، وأنزلنا عليك هذه الأخبار، ولولا ذلك ما علمتها. قال الزجاج: المعنى أنك لم تشاهد قصص الأنبياء، ولا تليت عليك، ولكننا أوحيناها إليك وقصصناها عليك.
(وما كنت) يا محمد (بجانب الطور) أي: بجانب الجبل المسمى بالطور (إذ نادينا) موسى لما أتى إلى الميقات مع السبعين أن خذ الكتاب بقوة وبين الإرسال وإيتاء التوراة نحو ثلاثين سنة، وقيل: المنادى هو أمة محمد - ﷺ -. قال وهب: وذلك أن موسى لما ذكر الله له فضل محمد - ﷺ - وأمته؛ قال: يا رب أرنيهم، فقال الله: إنك لن تدركهم، وإن شئت ناديتهم فأسمعتك صوتهم، قال: بلى يا رب أرنيهم فقال يا أمة محمد، فأجابوا من أصلاب آبائهم؛ فيكون معنى الآية على هذا: ما كنت يا محمد بجانب الطور إذ كلمنا موسى فنادينا أمتك، وسيأتي ما يدل على هذا ويقويه ويرجحه.
وعن أبي هريرة في الآية قال: نودوا: يا أمة محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني، واستجبت لكم قبل أن تدعوني، وروي من وجه آخر عنه مرفوعاً.
وأخرج ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، وأبو نصر السجزي في الإبانة والديلمي عن عمرو بن عبسة قال: سألت النبي - ﷺ - عن قوله: وما


الصفحة التالية
Icon