(إنك لا تهدي من أحببت) هدايته من الناس، وليس ذلك إليك (ولكن الله يهدي من يشاء) هدايته (وهو أعلم) أي عالم (بالمهتدين) أي: القابلين للهداية المستعدين لها.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث المسيب ومسلم وغيره من حديث أبي هريرة " أن هذه الآية نزلت في أبي طالب لما امتنع من الإسلام "، وقد تقدم ذلك في براءة قال الزجاج: أجمع المفسرون على أنها نزلت في أبي طالب.
وقد تقرر في الأصول أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فيدخل في ذلك أبو طالب دخولاً أولياً، والآية حجة على المعتزلة لأنهم يقولون: الهدى هو البيان، وقد هدى الناس أجمع ولكنهم لم يهتدوا بسوء اختيارهم فدل أن وراء البيان ما يسمى هداية وهو خلق الاهتداء وإعطاء التوفيق والقدرة.
(وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا) أي: قال مشركو قريش، ومن تابعهم إن ندخل في دينك، ونعمل به يا محمد يتخطفنا العرب من مكة، وننتزع منها بسرعة ولا طاقة لنا بهما، وهذا من جملة أعذارهم الباطلة وتعللاتهم العاطلة، والتخطف في الأصل هو الانتزاع بسرعة، وقرئ نتخطف بالجزم على جواب الأمر، وبالرفع على الاستئناف، ثم رد الله ذلك عليهم رداً مصدراً باستفهام التوبيخ والتقريع، وألقمهم الحجر فقال:
(أولم نمكن لهم حرماً آمناً)؟ أي ألم نجعل لهم حرماً ذا أمن؟ أو مؤمناً يؤمن من دخله؟ قال أبو البقاء: عداه بنفسه لأنه بمعنى جعل، كما صرح بذلك في قوله " أولم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً " ومكن متعد بنفسه من غير أن يضمن معنى جعل، كقوله: مكناهم فيما إن مكناكم فيه؛ وإسناد الأمن إلى


الصفحة التالية
Icon