الليل (ولتبتغوا من فضله) أي في النهار بالسعي في المكاسب وفيه مدح للسعي في طلب الرزق، وهو لا ينافي التوكل (ولعلكم تشكرون) أي ولكي تشكروا نعمة الله عليكم، وهذه الآية من باب اللف والنشر، واعلم أنه وإن كان السكون في النهار ممكناً، وطلب الرزق في الليل ممكناً، وذلك عند طلوع القمر على الأرض، أو عند الاستضاءة بشيء مما له نور كالسراج، لكن ذلك قليل نادر، مخالف لما يألفه العباد فلا اعتبار به.
(ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون) كرر سبحانه هذا لاختلاف الحالتين، لأنهم ينادون مرة فيدعون الأصنام، وينادون أخرى فيسكتون وفي هذا التكرار أيضاً تقريع بعد تقريع وتوبيخ بعد توبيخ وإيذان بأنه لا شيء أجلب لغضب الله من الإشراك به، كما لا شيء أدخل في مرضاته من توحيده، أو الأول لتقرير فساد رأيهم، والثاني لبيان أنه لم يكن عن مستند وإنما هو محض تشبه وهوى.
(ونزعنا) جاء بصيغة الماضي للدلالة على التحقيق أي أخرجنا (من كل أمة) من الأمم. (شهيداً) يشهد عليهم بما قالوا، قال مجاهد: هم الأنبياء وقيل: عدول كل أمة، والأول أولى، ومثله قوله سبحانه: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ثم بين سبحانه ما يقوله لكل أمة من هذه الأمم بقوله:
(فقلنا) لهم: (هاتوا برهانكم) أي حجتكم ودليلكم بأن معي شركاء: فعند ذلك اعترفوا وخرسوا عن إقامة البرهان ولذا قال:
(فعلموا أن الحق لله) في الإلهية وأنه وحده لا شريك له (وضل عنهم ما كانوا يفترون) أي غاب عنهم غيبة الشيء الضائع، وبطل، وذهب ما كانوا يختلقون من الكذب في الدنيا بأن لله شركاء يستحقون العبادة، ثم عقب سبحانه حديث أهل الضلال بقصة قارون، لما اشتملت عليه من بديع القدرة، وعجيب الصنع فقال:


الصفحة التالية
Icon