يعطف، ولم ينظر، والأول أولى. لأن التعقيب هو الكر بعد الفر، وإنما اعتراه الرعب لظنه أن ذلك لأمر أريد به كما ينبئ عنه قوله:
(يا موسى لا تخف) من غيري أي: من الحية وضررها ثقة بي أو لا تخف مطلقاً.
(إني لا يخاف لدي المرسلون) أي: لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي، من حية وغيرها، فلا تخف، أنت عندي. قيل: ونفي الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات، بل في وقت الخطاب لهم، والإيحاء والإرسال؛ لأنهم إذ ذاك مستغرقون في مطالعة شؤون الله عز وجل، لا يخطر ببالهم خوف من شيء وأما في غير هذه الحالة فالمرسلون أخوف الناس منه تعالى. أو المعنى لا يكون لهم عندي سوء عاقبة ليخافوا منه، ثم استثنى استثناء منقطعاً فقال:
(إلا من ظلم) أي لكن من أذنب في ظلم نفسه بالمعصية (ثم بدل حسناًْ) أي: توبة وندماً أتاه (بعد سوء) أي بعد عمل سوء (فإني غفور رحيم) أقبل التوبة وأغفر له؛ وقيل: الاستثناء من مقدر، أي لا يخاف لدي المرسلون، وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم " إلا من ظلم... الخ "، كذا قال الفراء. وقال النحاس: الاستثناء من محذوف محال، لأنه استثناء من شيء لم يذكر. وعن الفراء أن (إلا) بمعنى الواو.
وقيل: إن الاستثناء متصل من المذكور لا من المحذوف، والمعنى إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد، واختار هذا النحاس، وقال: علم من عصاه منهم فاستثناه فقال إلا من ظلم، وإن كنت قد غفرت له كآدم، وداود. وإخوة يوسف، وموسى لقتله القبطي. ولا مانع من الخوف بعد المغفرة فإن نبينا - ﷺ - الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كان يقول: وددت أني شجرة تعضد.