(فلا تطعهما) في الإشراك وعبر بنفي العلم عن نفي الإله لأن ما لم يعلم صحته لا يجوز اتباعه فكيف بما علم بطلانه، وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه. فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله، كما صح ذلك عن رسول الله - ﷺ -.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أمي: لا آكل طعاماً، ولا أشرب شراباً حتى تكفر بمحمد - ﷺ - فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية إلى قوله: فلا تطعهما، وأخرجه أيضاً الترمذي من حديثه، وقال نزلت في أربع آيات، وذكر نحو هذه القصة، وقال: حسن صحيح، وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم، وأبو داود والنسائي أيضاً قال القرطبي: فلم يطعها سعد وقال لها: والله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بمحمد - ﷺ -، فإن شئت فكلي، وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت قال الكرخي: هذا وما في لقمان والأحقاف نزل في سعد بن أبي وقاص.
(إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها، فأجازي كُلاًّ منكم بما يستحقه، وفي ذكر المرجع والوعيد تحذير من متابعتهما على الشرك، وحث على الثبات والاستقامة في الإيمان.
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) أي في زمرة الراسخين في الصلاح، وهذا أبلغ صفات المؤمنين، وهو متمنى الأنبياء عليهم السلام، قال سليمان عليه السلام: (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) وقال يوسف عليه السلام: (توفني مسلماً وألحقني بالصالحين) وقيل: لندخلنهم في مدخل الصالحين وهو الجنة. كذا قيل والأول أولى ومعنى إدخالهم فيهم كونهم معدودين من جملتهم لا اتصافهم أي نحشرهم معهم اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين وارزقنا لسان صدق في الآخرين.


الصفحة التالية
Icon