التكذيب لهم من الله عز وجل حمل على المعنى، لأن المعنى أن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر.
(وليحملن أثقالهم) أي: أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة (وأثقالاً مع أثقالهم) أي أوزاراً مع أوزارهم وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله قوله سبحانه: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ). ومثله قوله - ﷺ -: " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها " كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره.
(وليسألن يوم القيامة) سؤال تقريع وتوبيخ (عما كانوا يفترون) أي: يختلقونه من الأكاذيب والأباطيل التي كانوا يأتون بها في الدنيا وأضلوهم بها، ومن جملتها هذا الوعد.
(ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه) وعمره أربعون سنة أو أكثر، وبينه وبين آدم (١) ألف سنة، أجمل سبحانه قصة نوح تصديقاً لقوله في أول السورة (ولقد فتنا الذين من قبلهم) (فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً) فيه تثبيت للنبي - ﷺ - كأنه قيل له: إن نوحاً لبث هذه المدة الكثيرة يدعو قومه ولم يؤمن منهم إلا قليل، فصبر وما ضجر، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك، وكثرة عدد أمتك، قيل: ووقع في النظم:
(إلا خمسين عاماً) ولم يقل تسعمائة سنة وخمسين، لأن في الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على ما يقرب منه وذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض. وجيء بالمميز أولاً بالسنة، ثم بالعام لأن تكرار لفظ واحد في كلام واحد حقيق بالاجتناب في البلاغة، ثم إنه خص لفظ العام بالخمسين إيذاناً بأن نبي الله لما استراح منهم بقي في زمن حسن، والعرب
_________
(١) لا دليل على هذا التحديد من كتاب ولا سنة. المطيعي.


الصفحة التالية
Icon