وما خالف كتاب الله فدعوه وهذه الآية من جنس المجادلة بالأحسن.
(وإلهنا وإلهكم واحد) لا شريك له، ولا ند، ولا ضد (ونحن له مسلمون) أي: ونحن معاشر أمة محمد - ﷺ - مطيعون له خاصة لم نقل عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله، ولا اتخذنا أحبارنا ورهباننا أرباباً من دون الله، ويحتمل أن يراد ونحن جميعاً منقادون له، ولا يقدح في هذا الوجه كون انقياد المسلمين أتم من انقياد أهل الكتاب، وطاعتهم أبلغ من طاعتهم.
(وكذلك أنزلنا) هذا خطاب لرسول الله - ﷺ - والإشارة إلى مصدر الفعل كما بيناه في مواضع كثيرة أي ومثل ذلك الإنزال البديع أنزلنا (إليك الكتاب) وهو القرآن، وقيل: المعنى كما أنزلنا الكتاب عليهم أنزلنا عليك القرآن.
(فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله ابن سلام وغيره، وخصهم بإيتائهم الكتاب لكونهم العاملين به، وكأن غيرهم لم يؤتوه لعدم عملهم بما فيه، وجحدهم لصفات رسول الله - ﷺ - المذكورة فيه، وكان إسلامهم بالمدينة والسورة مكيّة، فهذا من قبيل الإخبار بالغيب أخبره تعالى بحالهم قبل وقوعه.
(ومن هؤلاء) إشارة إلى أهل مكة، والمراد أن منهم وهو من قد أسلم (من يؤمن به) أي بالقرآن، وقيل: إشارة إلى جميع العرب (وما يجحد بآياتنا) أي القرآن، والجحود إنما يكون بعد المعرفة، وعبر عن الكتاب بالآيات للتنبيه على ظهور دلالتها على معانيها، وعلى كونها من عند الله تعالى وأضيفت إلى نون العظمة لمزيد تفخيمها، وغاية التشنيع على من يجحد بها.
(إلا الكافرون) المصممون على كفرهم المتوغلون فيه من المشركين، ومن أهل الكتاب ككعب بن الأشرف وأضرابه فإن ذلك يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيقتها.


الصفحة التالية
Icon