(وهم من بعد غلبهم) أي: والروم من بعد غلب فارس إياهم (سيغلبون) أهل فارس، والغلب والغلبة لغتان
(في بضع سنين) قد تقدم تفسير البضع واشتقاقه في سورة يوسف، والمراد هنا: ما بين الثلاثة إلى العشرة، وقيل: إلى التسع، وقيل: إلى السبع، وقيل: ما دون العشرة، وإنما أبهم البضع ولم يبينه، وإن كان معلوماً لنبيه ﷺ لإدخال الرعب والخوف عليهم في كل وقت، كما يؤخذ ذلك من تفسير الفخر الرازي.
أخرج الترمذي وصححه، والدارقطني في الأفراد، والطبراني، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل، والبيهقي في الشعب، عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: الم غلبت الروم الآية، كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين الروم، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل الكتاب، وفي ذلك يقول الله: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله الخ وكانت قريش تحب ظهور فارس، لأنهم وإياهم ليسوا أهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله هذه الآية خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة: الم غلبت الروم في أدنى الأرض، وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين فقال ناس من قريش لأبي بكر: ذلك بيننا وبينكم، يزعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ فقال: بلى، وذلك قبل تحريم الرهان، فارتهن أبو بكر والمشركون، وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر: لم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ فسم بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه قال فسموا بينهم ست سنين فمضت الست قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم، فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين، لأن الله قال في بضع سنين، فأسلم عند ذلك ناس كثير.
وأخرج الترمذي وحسنه، عن ابن عباس أن النبي - ﷺ - قال لأبي بكر: " ألا احتطت يا أبا بكر؟ فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع ". وأخرج


الصفحة التالية
Icon