يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧) أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (٨)
(يعلمون) بدل من لا يعلمون، وهذا أحسن من قول الحوفي: إنها مستأنفة من حيث المعنى، إلا أن الصناعة لا تساعد عليه، لأن بدل فعل مثبت من فعل منفي لا يصح، والضمير للأكثر وكذا يقال فيما بعده، وفيه بيان أنه لا فرق بين عدم العلم الذي هو الجهل، وبين وجود العلم الذي لا يتجاوز عن تحصيل الدنيا.
(ظاهراً من الحياة الدنيا) أي ظاهر ما يشاهدونه من زخارف الدنيا وملاذها، وأمر معاشهم وأسباب تحصيل فوائدهم الدنيوية. وقيل: هو ما تلقيه الشياطين إليهم من أمور الدنيا عند استراقهم السمع. وقيل: الظاهر الباطل، وقيل: يعني معايشهم كيف يكسبون، ويتجرون، ومتى يغرسون، ومتى يزرعون، ومتى يحصدون.
قال الحسن: إن أحدهم لينقر الدرهم بطرف ظفره فيذكر وزنه لا يخطئ وهو لا يحسن يصلي. وقيل: يعلمون وجودها الظاهر ولا يعلمون فناءها، وقيل: لا يعلمون الدنيا بحقيقتها إنما يعلمون ظاهرها، وهو ملاذها وملاعبها، ولا يعلمون باطنها، وهو مضارها ومتاعبها. وأفادت الآية الكريمة أن للدنيا ظاهراً وباطناً، فظاهرها ما يعرفه الجهال من التمتع بزخارفها والتنعم بملاذها، وباطنها أنها مجاز إلى الآخرة يتزود منها إليها بالطاعة، وبالأعمال الصالحة، وتنكير الظاهر، يفيد أنهم لا يعلمون إلا ظاهراً واحداً من جملة ظواهرها.
(وهم عن الآخرة) التي هي النعمة الدائمة واللذة الخالصة (هم غافلون) لا يلتفتون إليها ولا يعدون لها ما تحتاج إليه؛ أو غافلون عن الإيمان بها، والتصديق بمجيئها، وفيه أنهم معدن الغفلة عن الآخرة ومقرها، وإعادة


الصفحة التالية
Icon