من قبوركم. وقدم السماء على الأرض لأن السماء كالذكر، فنزول المطر من السماء على الأرض كنزول المني من الذكر في المرأة، لأن الأرض تنبت وتخضر بالمطر.
(واختلاف ألسنتكم) أي: لغاتكم من عرب، وعجم، وترك، وروم، وغير ذلك، بأن علم كل صنف لغته، أو ألهمه وضعها وأقدره عليها أو أجناس النطق وأشكاله، فإنك لا تكاد تسمع متكلمين متساويين في الكيفية من كل وجه.
(وألوانكم) من البياض، والسواد، والحمرة، والصفرة، والشقرة، والزرقة، والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد، وأم واحدة، يجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، وفصل واحد وهو الناطقية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل في كل فرد من أفرادكم ما يميزه عن غيره من الأفراد، حتى أن التوأمين مع توافق موادهما وأسبابهما، والأمور الملاقية لهما في التخليق، يختلفان في شيء من ذلك لا محالة، وإن كانا في غاية التشابه، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعقله إلا العالمون، ولا يفهمه إلا المتفكرون ولو اتفقت الأصوات، والصور، وتشاكلت، وكانت ضرباً واحداً لوقع التجاهل والالتباس، ولتعطلت مصالح كثيرة، ولم يعرف العدو من الصديق، ولا القريب من البعيد؛ فسبحان من خلق الخلق على ما أراد، وكيف أراد، وإنما نظم هذا في سلك الآيات الآفاقية من خلق السماوات والأرض، مع كونه من الآيات الأنفسية الحقيقة بالانتظام، في سلك ما سبق من خلق أنفسهم وأزواجهم؛ للإيذان باستقلاله، والاحتراز عن توهم كونه من تتمات خلقهم.
(إن في ذلك لآيات) لدلالات على قدرته تعالى (للعالمين) لعموم العلم فيهم، قرئ بكسر اللام وبفتحها وهما سبعيتان. وقال الفراء للكسرة وجه جيد لأنه قد قال: لآيات لقوم يعقلون، لآيات لأولي الألباب، وما يعقلها إلا العالمون.