تطوع لا تطلبون بها المكافأة، وإنما تقصدون بها ما عند الله (فأولئك هم المضعفون) أي ذوو الأضعاف من الحسنات، الذين يعطون بالحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. قال الفراء: هو نحو قولهم: مسمن، ومعطش، ومضعف إذا كانت له إبل سمان وعطاش وضعيفة، وقرئ بفتح العين اسم مفعول وفيه التفات حسن عن الخطاب، لأنه يفيد التعظيم، كأنه خاطب به الملائكة وخواص الخلق تعريفاً لحالهم، فهو أمدح لهم من أن يقول: فأنتم المضعفون أو للتعميم لغير المخاطبين، كأنه قال: من فعل هذا فسبيله سبيل المخاطبين، وكان مقتضى ظاهر المقابلة أن يقال: فيربو عند الله فغير عبارة الربا إلى الإضعاف ونظم الفعلية إلى الإسمية الدال على الدوام، المشتملة على ضمير الفصل، المفيد للحصر، والمعنى: المضعفون به لأنه لا بد له من ضمير يرجع إلى ما الموصولة.
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) عاد سبحانه إلى الاحتجاج على المشركين، وأنه الخالق الرازق، المميت المحيي، أي المختص بالخلق، والرزق، والإماتة، والإحياء؛ ثم قال على جهة الاستفهام: (هل من شركائكم) أي أصنامكم التي زعمتم أنهم شركاء، وأضاف الشركاء إليهم لأنهم كانوا يسمونهم آلهة ويجعلون لهم نصيباً من أموالهم.
(من يفعل من ذلكم)؟ أي: الخلق والرزق والإماتة والإحياء (من شيء) أي شيئاًً من هذه الأفعال؟ ومعلوم أنهم يقولون: ليس فيهم من يفعل شيئاًً من ذلك، فتقوم عليهم الحجة، و (من) الأولى والثانية لبيان شروع الحكم في جنس الشركاء والأفعال، والثالثة مزيدة لتعميم النفي، ثم نزه سبحانه نفسه فقال: (سبحانه وتعالى عما يشركون) أي نزهوه تنزيهاً، وهو متعال عن أن يجوز عليه شيء من ذلك.


الصفحة التالية
Icon