وفي مسلم من حديث أنس: إن عمر بن الخطاب لما سمع النبي - ﷺ - يناديهم فقال: يا رسول الله تناديهم بعد ثلاث؟ وهل يسمعون؟ يقول الله: إنك لا تسمع الموتى، فقال " والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع منهم، ولكنهم لا يطيقون أن يجيبوا " ثم وصفهم بالعمي فقال:
(وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) لفقدهم للانتفاع بالأبصار كما ينبغي، أو لفقدهم للبصائر (إن) أي: ما (تسمع إلا من يؤمن بآياتنا) لكونهم أهل التفكر والتدبر، والاستدلال بالآثار على المؤثر (فهم مسلمون) أي منقادون للحق متبعون له، وفيه مراعاة معنى: (من).
(الله الذي خلقكم) ذكر سبحانه استدلالاً آخر على كمال قدرته، وهو خلق الإنسان نفسه على أطوار مختلفة، كما قال: (من ضعف) أي: بدأكم وأنشأكم على ضعف، وهو مصدر، ضد القوة، قال الواحدي: قال المفسرون: من نطفة كقوله: من ماء مهين، أي: ذي ضعف، وقيل: المراد حال الطفولية والصغر، فهذه أحوال غاية الضعف، قرئ: ضعف بضم الضاد في هذه المواضع، وبفتحها، وهما سبعيتان. قال الفراء: الضم لغة قريش، والفتح لغة تميم؛ قال الجوهري: الضعف خلاف القوة والصحة، وقيل: هو بالفتح في الرأي، وبالضم في الجسم، وأجاز الكوفيون ضعف بفتحتين.
(ثم جعل من بعد ضعف قوة) وهي قوة الشباب، وبلوغ الأشد، فإنه إذ ذاك تستحكم القوة، وتشتد الخلقة إلى بلوغ النهاية.
(ثم جعل من بعد قوة ضعفاً) أي: عند الكبر والهرم (وشيبة) هي تمام الضعف، ونهاية الكبر. وقيل: بياض الشعر الأسود، ويحصل أوله في الغالب في السنة الثالثة والأربعين، وهو أول سن (١) الاكتهال، والأخذ في النقص بالفعل بعد الخمسين إلى أن يزيد النقص في الثالثة والستين، وهو أول
_________
(١) الكهولة من الأربعين إلى الستين وبعدها الشيخوخة. المطيعي.