(ومن الناس من يجادل في الله) أي: في شأن الله سبحانه في توحيده وصفاته مكابرة، وعناداً بعد ظهور الحق له، وقيام الحجة عليه ولهذا قال (بغير علم) مستفاد من عقل ونقل (ولا هدى) من جهة رسول يهتدى به إلى طريق الصواب.
(ولا كتاب منير) نير واضح أنزله الله؛ بل مجرد تعنت ومحض عناد وتقليد، وقد تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة. قيل: نزلت في النضر بن الحرث، وأبي بن خلف، وأمية بن خلف، وأشباههم، كانوا يجادلون النبي - ﷺ - في الله، وفي صفاته بغير علم.
(وإذا قيل لهم) أي: لهؤلاء المجادلين، والجمع باعتبار معنى (من) (اتبعوا ما أنزل الله) على رسوله من الكتاب، تمسكوا بمجرد التقليد البحت، و (قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا) فنعبد ما كانوا يعبدونه من الأصنام، ونمشي في الطريق التي كانوا يمشون فيها في دينهم؛ ومثل هذا في القرآن كثير من ذم تقليد الآباء والرؤساء.
قال ابن القيم: قد احتج العلماء بهذه الآية وأمثالها في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من الاحتجاج بها، لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين المقلدين بغير حجة للمقلد، كما لو قلد رجلاً فكفر، وقلد آخر فأذنب، وقلد آخر في مسألة فأخطأ، وجهها كان كل واحد ملوماً على التقليد بغير حجة، لأن كل تقليد يشبه بعضه بعضاً، وإن اختلفت الآثام فيه، والتقليد أنواع:
أحدها: الإِعراض عما أنزل الله، وعدم الالتفات إليه، اكتفاء بتقليد الآباء.
الثاني: تقليد من لا يعلم المقلد أنه أهل لأن يؤخذ بقوله.


الصفحة التالية
Icon