الطيرة، ومن ظن أن خوار بقرة أو نعيق غراب يرد قضاء، أو يدفع مقدوراً فقد جهل؛ فلما قالوا ذلك (قال) لهم صالح:
(طائركم عند الله) أي ما يصيبكم من الخير والشر بأمر الله، وهو مكتوب عليكم، سمي طائراً لأنه لا شيء أسرع من نزول القضاء المحتوم، والمعنى ليس ذلك بسبب الطيرة التي تشاءمون بها، بل سبب ذلك عند الله، وهو ما يقدره عليكم. وقيل: المعنى أن الشؤم الذي أصابكم هو من عند الله لسبب كفركم، وهذا كقوله تعالى: (يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) وقيل: طائركم عملكم، وسمي طائراً لسرعة صعوده إلى السماء، ثم أوضح لهم سبب ما هم فيه بأوضح بيان فقال:
(بل أنتم قوم تفتنون)، أي تمتحنون وتختبرون، وقيل: تعذبون بذنوبكم، وقيل: يفتنكم غيركم، وقيل: يفتنكم الشيطان بما تقعون فيه من الطيرة أو بما لأجله تطيرون، فأضرب عن ذكر الطائر إلى ما هو السبب الداعي إليه، وجاء بالخطاب مراعاة لتقدم الضمير، ولو روعي ما بعده لقيل: يفتنون، بياء الغيبة، وهو جائز، ولكنه مرجوح، تقول: أنت رجل تفعل ويفعل، ونحن قوم ناقر ويقرون.
(وكان في المدينة) التي كان فيها صالح، وهي الحجر، كذا قال المفسرون هنا، وتقدم في سورة الحجر أنه واد بين المدينة والشام، وهو ديار ثمود.
(تسعة رهط) أي: تسعة رجال أو أشخاص من أبناء الأشراف وبهذا
الاعتبار وقع تمييزاً للتسعة لا باعتبار لفظه، والإضافة بيانية، أي: تسعة هم رهط، والرهط اسم جماعة، فكأنهم كانوا رؤساء يتبع كل واحد منهم جماعة، وقيل: الرهط ما دون العشرة من الرجال، ليس فيه امرأة، وسكون الهاء أفصح من فتحها، وهو جمع لا واحد له من لفظه؛ وقيل: الرهط من سبعة إلى عشرة وما دون السبعة إلى الثلاثة نافر، قال ثعلب: الرهط والنفر والقوم والمعشر والعشيرة معناهم الجمع، لا واحد لها من لفظها وهو للرجال دون


الصفحة التالية
Icon