من قبوركم أحياء، وتعودون إلى الصور التي كنتم عليها بعد أن تمزقت أجسادكم كل تمزيق، قال هذا القول بعضهم لبعض استهزاء بما وعدهم الله على لسان رسوله من البعث، وأخرجوا الكلام مخرج التلهي به والتضاحك مما يقوله من ذلك، قال الزجاج: التقدير إذا مزقتم كل ممزق بعثتم أو ينبئكم بأنكم تبعثون إذا مزقتم، وأصل المزق: خرق الأشياء يقال ثوب مزيق وممزق ومتمزق وممزوق.
وعن قتادة في الآية قال: قال ذلك مشركو قريش، إذا أكلتكم الأرض وصرتم رفاتاً وعظاماً وتقطعتكم السباع والطير، أنكم ستحيون وتبعثون، قالوا ذلك تكذيباً له، وجديد عند البصريين بمعنى فاعل، يقال جد الشيء فهو جاد، وعند الكوفيين بمعنى مفعول من جددته أي قطعته، ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار أنهم رددوا ما وعدهم به رسول الله - ﷺ - من البعث بين أمرين فقالوا:
(أفترى على الله كذباً أم به جنة)؟ أي أهو كاذب فيما قاله، أم به جنون بحيث لا يعقل ما يقوله. قال قتادة: إما أن يكون يكذب على الله وإما أن يكون مجنوناً والهمزة في أفترى همزة الاستفهام وحذفت لأجلها همزة الوصل كما تقدم في قوله (أطلع الغيب) ثم رد عليهم سبحانه ما قالوه في رسوله فقال:
(بل الذين لا يؤمنون بالآخرة) أي ليس الأمر كما زعموا بل هم الذين ضلوا عن الفهم وإدراك الحقائق فكفروا بالآخرة، ولم يؤمنوا بما جاءهم به فصاروا بسبب ذلك (في العذاب) الدائم في الآخرة وهم اليوم.
(والضلال البعيد) عن الحق غاية البعد، ثم وبخهم سبحانه بما اجترأوا عليه من التكذيب مبيناً لهم أن ذلك لم يصدر منهم إلا لعدم التفكر والتدبر في خلق السماء والأرض، وأن من قدر على هذا الخلق العظيم لا يعجزه أن يبعث من مخلوقاته ما هو دون ذلك ويعيده إلى ما كان عليه من الذات والصفات فقال:


الصفحة التالية
Icon