الرابع: أنه منصوب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة أي خلقه خلقاً كقوله: صُنْعَ اللهِ، وهذا قول سيبويه، والضمير يعود إلى الله سبحانه.
والخامس: أنه منصوب بنزع الخافض، والمعنى: أحسن كل شيء في خلقه، ومعنى الآية أنه أتقن وأحكم خلق مخلوقاته، فبعض المخلوقات -وإن لم تكن حسنة في نفسها- فهي متقنة محكمة، فيكون هذه الآية معناها معنى أعطى كل شيء خلقه أي: لم يخلق الإنسان على خلق البهيمة ولا خلق البهيمة على خلق الإنسان. وقيل هو عموم في اللفظ خصوص في المعنى، أي أحسن خلق كل شيء حسن. وقال ابن عباس: أما رأيت القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها. وعنه في الآية قال: أما آنست القردة ليست بحسنة، ولكنه أحكم خلقها، وقال: خلقه: صورته. وقال أحسن كل شيء القبيح والحسن، والعقارب، والحيات، وكل شيء مما خلق، وغيره لا يحسن شيئاًً من ذلك.
وأخرج الطبراني عن أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله - ﷺ - إذ لقينا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة قد أسبل، فأخذ النبي - ﷺ - بناحية ثوبه، فقال يا رسول الله إني أحمش الساقين؛ فقال رسول الله - ﷺ - " يا عمرو ابن زرارة إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء يا عمرو إن الله لا يحب المسبلين ". وأخرج أحمد والطبراني عن الشريد بن سويد قال: " أبصر النبي - ﷺ - رجلاً قد أسبل إزاره فقال ارفع إزارك، فقال: يا رسول الله إني أحنف تصطك ركبتاي، فقال: ارفع إزارك كل خلق الله حسن ".
(وبدأ خلق الإنسان) يعني آدم خلقه (من طين) فصار على صورة بديعة، وشكل بديع حسن
(ثم جعل نسله) أي ذريته (من سلالة) أي نطفة؛ سميت الذرية سلالة لأنها تنسل من الأصل، وتنفصل عنه، وقد تقدم تفسيرها في سورة المؤمنين، والمذكور هنا صفة آدم، ثم صفة ذرية آدم (من ماء مهين) أي ممتهن لا خطر له عند الناس، وهو المني. وقال الزجاج من ماء ضعيف.


الصفحة التالية
Icon