في الدنيا وقرىء: التناوش بالواو وبالهمز واستبعد الثانية أبو عبيد والنحاس ولا وجه للاستبعاد فقد ثبت ذلك في لغة العرب وأشعارها، قال الفراء: الهمزة وتركها متقارب.
(وقد كفروا به من قبل) أي والحال أن قد كفروا بما آمنوا به من قبل هذا الوقت وذلك حال كونهم في الدنيا. قيل: بالقرآن، وقيل: بمحمد - ﷺ - من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة.
(ويقذفون بالغيب) أي يؤمنون بالظن ويتكلمون بما لم يظهر لهم في الرسول من المطاعن أو في العذاب من البت على نفيه، فيقولون: لا بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار (من مكان بعيد) أي من جهة بعيدة ليس فيها مستند لظنهم الباطل، وهو الشبه التي تمحلوها في أمر الآخرة كما حكاه من قبل.
وقيل: المعنى يقولون في القرآن أقوالاً باطلة: إنه سحر وشعر وأساطير الأولين، وقيل: يقولون في محمد - ﷺ -: إنه ساحر شاعر كاهن مجنون، قرىء: يقذفون مبنياً للمفعول أي يرجمون بما يسوؤهم من جزاء أعمالهم من حيث لا يحتسبون، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئاًً لا يراه من مكان بعيد لا مجال للوهم في لحوقه وهذا استعارة تمثيلية والجملة إما معطوفة على (وقد كفروا به) على أنها حكاية للحال الماضية، واستحضار لصورتها، أو مستأنفة لبيان تمثيل حالهم.
(وحيل بينهم) فعل مبني للمفعول وإذا بني للفاعل يقال فيه: حال وهو فعل لا يتعدى ونائب الفاعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل كأنه قيل: وحيل هو أي الحول، وجعل بعضهم نائب الفاعل الظرف، وهو بينهم، واعترض بأنه ينبغي حينئذ أن يرفع.
(وبين ما يشتهون) من النجاة من العذاب ومنعوا من ذلك، وقيل: حيل بينهم وبين ما يشتهون في الدنيا من أموالهم وأهليهم، أو حيل بينهم وبين ما يشتهون من الرجوع إلى الدنيا.


الصفحة التالية
Icon