أن يرسله من بعد إمساكه والإمساك يتناول كل شيء يمنعه الله من نعمه فهو سبحانه المعطي المانع القابض الباسط لا معطي سواه، ولا منعم غيره (وهو العزيز الحكيم) فيما أمسك وفيما أرسل على مقتضى حكمته، ثم أمر الله سبحانه عباده أن يتذكروا نعمه الفائضة عليهم التي لا تعد ولا تحصى، كما قال: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) فقال:
(يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم) قيل: الخطاب لأهل مكة ونعمة الله عليهم إسكانهم الحرم ومنع الغارات عنهم، وقيل: لجميع الناس، ونعمة الله عليهم هي التي تقدمت من بسط الأرض كالمهاد، ورفع السماء بلا عماد، وإرسال الرسل لبيان السبيل دعوة إليه، وزلفة لديه، والزيادة في الخلق، وفتح أبواب الرزق، ومعنى هذا الذكر هو إرشادهم إلى الشكر لاستدامتها وطلب المزيد منها، ليس المراد ذكرها باللسان فقط، ولكن المراد ذكرها به وبالقلب، أي لا تنسوها، والنعمة هنا بمعنى الإنعام، وعليه درج الجلال. وقيل: إنها بمعنى النعم به، ثم نبه على رأس النعم وهو اتحاد المنعم بقوله:
(هل من خالق غير الله) من زائدة مؤكدة أي لا خالق إلا الله سبحانه وهو استفهام تقرير وإنكار وتوبيخ (يرزقكم من السماء والأرض) خبر المبتدأ أو جملة مستأنفة أو صفة أخرى لخالق وخبره محذوف، والرزق من السماء بالمطر، ومن الأرض بالنبات وغير ذلك.
(لا إله إلا هو) مستأنفة مسوقة لتقرير النفي المستفاد من الاستفهام (فأنى تؤفكون) أي فكيف تصرفون وهو مأخوذ من الإفك بالفتح وهو الصرف يقال: ما أفكك عن كذا أي ما صرفك عنه.
وقيل: هو مأخوذ من الإفك بالكسر وهو الكذب، لأنه مصروف عن الصدق، قال الزجاج: أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد الله والبعث وأنتم مقرون بأن الله خلقكم ورزقكم؟ ثم عزى الله نبيه - ﷺ - فقال:


الصفحة التالية
Icon