(ومكر أولئك هو يبور) أي يهلك ويفسد ويبطل ومنه: وكنتم قوماً بوراً، وقد أبارهم الله إبارة بسبب مكرانهم، حيث أخرجهم من مكة وقتلهم وأثبتهم في قليب، فجمع عليهم مكراتهم الثلاث التي اكتفوا في حقه بواحدة منها، والمكر في الأصل الخديعة والاحتيال والإشارة بقوله " أولئك " إلى الذين مكروا السيئات على اختلاف الأقوال في تفسير مكرهم وجملة هو يبور خبر مكر أولئك ووضع اسم الإشارة موضع ضميرهم للإيذان بكمال تميزهم بما هم عليه من الشر والفساد عن سائر المفسدين. واشتهارهم بذلك، ثم ذكر سبحانه دليلاً آخر على صحة البعث والنشور فقال:
(والله خلقكم) ابتداء في ضمن خلق أبيكم آدم (من تراب) وقال قتادة: يعني آدم والتقدير على هذا خلق أباكم الأول وأصلكم الذي ترجعون إليه من تراب.
(ثم من نطفة) أخرجها من ظهر أبيكم (ثم جعلكم أزواجاً) أي زوج بعضكم ببعض فالذكر زوج الأنثى أو جعلكم أصنافاً ذكراناً وإناثاً (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه) أي لا يكون حمل ولا وضع إلا والله عالم به فلا يخرج شيء من علمه وتدبيره، ومن زائدة.
(وما يعمّر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) قرىء ينقص مبنياً للمفعول وللفاعل ومن عمره بضم الميم وبسكونها والمعنى ما يطول عمر أحد ولا ينقص من عمره إلا في اللوح المحفوظ، قال الفراء: يريد آخر غير الأول فكنى عنه بالضمير، كأنه الأول لأن لفظ الثاني لو ظهر كان كالأول كأنه قال: ولا ينقص من عمر معمر فالكناية في عمره ترجع إلى آخر غير الأول، ومثله قولك: عندي درهم ونصفه، أي نصف آخر، قيل: إنما سمى معمراً باعتبار مصيره إليه والمعنى ما يمد في عمر أحد ولا ينقص من عمر أحد لكن لا على معنى: ولا ينقص من عمره بعد كونه زائداً، بل على معنى أنه لا يجعل من الابتداء ناقصاً إلا وهو في كتاب. قال سعيد بن


الصفحة التالية
Icon