جبير وما يعمر من معمر إلا كتب عمره كم هو سنة؟ كم هو شهراً؟ كم هو يوماً؟ كم هو ساعة؟ ثم يكتب في كتاب آخر نقص من عمره ساعة، نقص من عمره يوم، نقص من عمره شهر، نقص من عمره سنة، حتى يستوفي أجله فما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبل فهو الذي يعمره.
قال النسفي: هذا من الكلام المتسامح فيه ثقة في تأويله بأفهام السامعين واتكالاً على تسديدهم معناه بعقولهم، وأنه لا يلتبس عليهم إحالة الطول والقصر في عمر واحد، وعليه كلام الناس يقولون: لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق، أو تأويل الآية أنه يكتب في الصحيفة عمره كذا كذا سنة، ثم يكتب في أسفل ذلك ذهب يوم، ذهب يومان، حتى يأتي على آخره، فذلك نقصان عمره انتهى. وقال قتادة: المعمر من بلغ ستين سنة والمنقوص من عمره من يموت قبل ستين، وقيل المعنى: أن الله كتب عمر الإنسان كذا إن أطاع ودونه إن عصى، فأيهما بلغ فهو في كتاب، والضمير على هذا يرجع إلى معمر، وقيل المعنى: وما يعمر من معمر إلى الهرم ولا ينقص آخر من عمر الهرم إلا في كتاب الله، أي بقضاء الله قاله الضحاك، واختاره النحاس قال وهو أشبهها بظاهر التنزل، والأولى أن يقال: ظاهر النظم القرآني أن تطويل العمر وتقصيره هما بقضاء الله وقدره لأسباب تقتضي التطويل، وأسباب تقتضي التقصير فمن أسباب التطويل ما ورد في صلة الرحم عن النبي - ﷺ - مثل قوله " من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، أي يؤخر في عمره فليصل رحمه ". ونحو ذلك.
ومن أسباب التقصير: الاستكثار من معاصي الله سبحانه فإذا كان العمر المضروب للرجل مثلاً سبعين سنة فقد يزيد الله له عليها إذا فعل أسباب الزيادة وقد ينقصه منها إذا فعل أسباب النقصان والكل في كتاب مبين، فلا تخالف بين هذه الآية وبين قوله سبحانه: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون


الصفحة التالية
Icon