من هو خبير بالأشياء، عالم بخبايا الأمور، وهو الله سبحانه فإنه لا أحد أخبر بخلقه وأقوالهم وأفعالهم منه سبحانه، وهو الخبير بكنه الأمور وحقائقها ثم ذكر سبحانه افتقار خلقه إليه ومزيد حاجتهم إلى فضله فقال:
(يا أيها الناس أنتم الفقراء) المحتاجون (إلى الله) في جميع أمور الدين والدنيا فهم الفقراء إليه على الإطلاق في أنفسهم وفيما يعرض لهم من سائر الأمور وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم، كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء، وأن افتقار سائر الخلائق بالإضافة إلى فقرهم غير معتدّ به ولذلك قال: (وخلق الإنسان ضعيفاً)، ولم يسمهم بالفقراء للتحقير بك للتعريض على الاستغناء، ولهذا وصف نفسه بالغنى الذي هو مطمع الأغنياء فقال:
(والله هو الغني) على الإطلاق (الحميد) المستحق للحمد من عباده بإحسانه إليهم ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من الأنواع التي يتحقق عندها افتقارهم إليه واستغناؤهم عنهم فقال:
(إن يشأ يذهبكم) كلكم إلى العدم ويفنيكم وفيه بلاغة كاملة أي ليس إذهابكم موقوفاً إلا على مشيئته ثم زاد على بيان الاستغناء بقوله: (ويأت) بدلكم (بخلق جديد) يطيعونه ولا يعصونه أو يأت بنوع من أنواع الخلق، وعالم من العوالم غير ما تعرفون.
(وما ذلك) الإذهاب بكم والإتيان بآخرين (على الله بعزيز) أي بممتنع ولا متعسر، وقد مضى تفسير هذا في سورة إبراهيم.


الصفحة التالية
Icon