كانوا متهمين بعدم الصدق لسألوكم المال، فاهتدوا أنتم أيضاًً تبعاً لهم، ثم أبرز الكلام في معرض النصيحة لنفسه، وهو يريد مناصحة قومه فقال:
(وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) أي أَيُّ مانع من جانبي يمنعني من عبادة الذي خلقني، ثم رجع إلى خطابهم لبيان أنه ما أراد نفسه بل أرادهم بكلامه فقال:
(وإليه ترجعون) أضاف الفطرة إلى نفسه، والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر والرجوع فيه معنى الزجر، فكان بهم أليق، ولذلك لم يقل: إليه أرجع، وفيه مبالغة في التهديد وهذه الطريقة أحسن من ادعاء الالتفات ثم عاد إلى المساق الأول وهو التلطف في الإرشاد والنصيحة لقصد التأكيد ومزيد الإيضاح فقال:
(أأتخذ من دونه) أي غيره (آلهة) فجعل الإنكار متوجهاً إلى نفسه، وهم المرادون به أي لا أتخذ من دون الله آلهة وأعبدها، وأترك عبادة من يستحقها وهو الذي فطرني. ثم بين حال هذه الأصنام التي يعبدونها من دون الله سبحانه إنكاراً عليهم وبياناً لضلال عقولهم وقصور إدراكهم فقال:
(إن يردن الرحمن بضر) أي بسوء ومكروه شرط وجوابه (لا تغن عني شفاعتهم شيئاًً) من النفع كائناً ما كان أي لا شفاعة لها فتغني عني (ولا ينقذون) من ذلك الضر الذي أرادني الرحمن به وهذه الجملة صفة لآلهة أو مستأنفة لبيان حالها في عدم النفع والدفع.
(إني إذاً) أي إني إذاً اتخذت من دونه آلهة وعبدت غير الله (لفي ضلال مبين) ظاهر واضح لأن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضراً بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بيِّن لا يخفى على عاقل، وهذا تعريض بهم كما سبق، والضلال الخسران.


الصفحة التالية
Icon