فلما دخلها ورأى نعيمها وشاهدها.
(قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، أي فماذا قال بعد أن قيل له: ادخل الجنة فدخلها؟ فقال يا ليت قومي.. الخ. وهم الذين قتلوه فنصحهم حياً وميتاً.
قال ابن أبي ليلى: سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين علي بن أبي طالب، وهو أفضلهم، ومؤمن آل فرعون، وصاحب يس وهم الصديقون. ذكره الزمخشري و (ما) في
(بما) هي المصدرية، وقيل موصولة أي بالذي غفر لي ربي، والباء صلة يعلمون، والعائد محذوف، أي غفره لي ربي، واستضعف هذا لأنه لا معنى لتمنيه أن يعلم قومه بذنوبه المغفورة وليس المراد إلا التمني منه بأن يعلم قومه بغفران ربه له، وإليه أشار في التقرير، وقال الفراء: إنها استفهامية جاءت على الأصل بمعنى التعجب.
والباء صلة غفر كأنه قال بأي شيء غفر لي ربي يريد به المهاجرة عن دينهم، والمصابرة على أذيتهم، قال الكسائي: لو صح هذا لقال: بم من غير ألف، ويجاب عنه بأنه قد ورد في لغة العرب إثباتها وإن كان مكثوراً بالنسبة إلى حذفها وفي معنى تمنيه قولان: أحدهما أنه تمنى أن يعلموا بحاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته إرغاماً لهم، وقيل: إنه تمنى أن يعلموا بذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله، ولما وقع ما وقع منهم مع حبيب النجار غضب الله له وعجل لهم النقمة، وأهلكهم بالصيحة فقال:
(وما أنزلنا على قومه من بعده) أي على قوم حبيب النجار من بعد قتلهم له أو من بعد رفع الله له إلى السموات على الاختلاف السابق.
(من جند من السماء) لإهلاكهم وللانتقام منهم، أي لم نحتج إلى إرسال جنود من السماء لإهلاكهم كما وقع ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: " يوم بدر من إرسال الملائكة لنصرته وحرب أعدائه " (١)، وذلك لأن الله
_________
(١) راجع ما ذكرناه في سورة الأنفال حول نزول الملائكة.


الصفحة التالية
Icon