أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض لحكمة اقتضت ذلك، وعن ابن مسعود في الآية قال: يقول ما كابدناهم بالجموع، أي الأمر أيسر علينا من ذلك.
(وما كنا منزلين) أي وما صح في قضائنا وحكمتنا أن ننزل لإهلاكهم جنداً لسبق قضائنا وقدرنا بأن إهلاكهم بالصيحة لا بإنزال الجند، وقال قتادة ومجاهد والحسن: أي ما أنزلنا عليهم من رسالة من السمماء ولا نبي بعد قتله، وروي عن الحسن أنه قال: هم الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء والظاهر أن معنى النظم القرآني تحقير شأنهم، وتصغير أمرهم، أي ليسوا بأحقاء بأن ننزل لإهلاكهم جنداً من السماء، بل أهلكناهم بصيحة واحدة كما يفيده قوله:
(إن كانت) أي العقوبة أو النقمة أو الأخذة.
(إلا صيحة واحدة) صاح بها جبريل فأهلكهم قرىء: صيحة بالنصب على أن كان ناقصة، واسمها ضمير يعود إلى ما يفهم من السياق كما قدمنا، وقرىء برفعها على أن كان تامة، أي وقع وحدث، وأنكرها أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث في قوله: إن كانت، وقيل: غير ذلك.
وقرأ ابن مسعود إن كانت إلا زقية واحدة والزقية الصيحة، قال النحاس: وهذا مخالف للمصحف، وأيضاًً فإن اللغة المعروفة زقا يزقو إذا صاح ومنه المثل: أثقل من الزواقي فكان يجب على هذا أن يكون زقوة، ويجاب عنه بما ذكره الجوهري. قال: الزقو والزقى مصدر، وقد زقا الصدى يزق زقاً أي صاح، وكل صائح زاق، والزقية الصيحة.
قال المفسرون: أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حس كالنار إذا طفئت، وهو معنى قوله: (فإذا هم خامدون) ميتون شبههم بالنار إذا طفئت لأن الحياة كالنار الساطعة في الحركة، والالتهاب. والموت: كخمودها.


الصفحة التالية
Icon