قوله: (ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم)، قال السدي والحسن: المعنى لتركناهم عمياً يترددون لا يبصرون طريق الهدى، واختار هذا ابن جرير، قال ابن عباس في الآية: أعميناهم وأضللناهم عن الهدى، وقال عطاء ومقاتل وقتادة: المعنى لو نشاء لفقأنا أعينهم وأعميناهم عن غيهم، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم واهتدوا، وتبادروا إلى طريق الآخرة.
(فاستبقوا الصراط) معطوف على لطمسنا أي تبادروا إلى الطريق ليجوزوه ويمضوا فيه والصراط منصوب بنزع الخافض أي فاستبقوا إليه وقرىء: فاستبقوا على صيغة الأمر. أي فيقال لهم: استبقوا وفي هذا تهديد لهم.
(فأنى) أي فكيف (يبصرون) الطريق ويحسنون سلوكه ولا أبصار لهم ثم كرر التهديد لهم فقال:
(ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم) المسخ تبديل الخلقة أي تغيير الصورة وإبطال القوى إلى حجر أو غيره من الجماد أو بهيمة والمكانة المكان أي: لو شئنا لبدلنا خلقهم على المكان الذي هم فيه، قيل: والمكانة أخص من المكان كالمقامة والمقام، قال الحسن: أي لأقعدناهم، وقيل: لمسخناهم في المكان الذي فعلوا فيه المعصية، وقيل: المعنى لو نشاء لأهلكناهم في مساكنهم قاله ابن عباس، وقال يحيى بن سلام: هذا كله يوم القيامة قرأ الجمهور: على مكانتهم بالإفراد وقرىء: على مكاناتهم بالجمع.
(فما استطاعوا مضياً ولا يرجعون) أي لا يقدرون على ذهاب ولا مجيء. قال الحسن: فلا يستطيعون أن يمضوا أمامهم ولا يرجعوا وراءهم، وكذلك الجماد لا يتقدم ولا يتأخر، وقرىء: مضياً بضم الميم وبفتحها وبكسرها، قيل: والمعنى لا يستطيعون رجوعا، يقال: مضى يمضي مضياً إذا ذهب في الأرض ورجع يرجع رجوعاً إذا عاد من حيث جاء.