قوله: خلقنا للإشارة إلى حصر الخلق لهذه النعم فيه تعالى، واستقلاله بها، فهو كناية عرفية، وقيل: تمثيلية، أي مما تولينا إحداثه، ولم يقدر على إحداثه غيرنا وقوله:
(أنعاماً) مفعول خلقنا، وهي جمع نعم، وهي: البقر والغنم والإبل وإنما خصها بالذكر -وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله وإيجاده- لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم، وقد سبق تحقيق الكلام فيها، ثم ذكر سبحانه المنافع المترتبة على خلق الأنعام فقال:
(فهم لها مالكون) أي ضابطون قاهرون، يتصرفون بها كيف شاؤوا، ولو خلقناها وحشية لنفرت عنهم ولم يقدروا على ضبطها، أو المراد أنها صارت في أملاكهم ومعدودة في جملة أموالهم المنسوبة إليهم نسبة الملك، وهذا أظهر ليكون قوله:
(وذللناها لهم) تأسيساً لنعمه على حيالها لا تتمة لما قبلها. أي: جعلناها لهم مسخرة لا تمتنع مما يريدون منها من منافعهم حتى الذبح، ويقودها الصبي فتنقاد له، ويزجرها فتنزجر.
(فمنها ركوبهم) الفاء لتفريع أحكام التذليل عليه. أي: فمنها مركوبهم الذي يركبونه كما يقال: ناقة حلوب أي محلوبة يعني: معظم منافعها الركوب، وعدم التعرض للحمل لكونه من تتمة الركوب. قرأ الجمهور: ركوبهم بفتح الراء وقرىء: بضمها على المصدر، وقرأ أبي وعائشة: ركوبتهم. والركوب والركوبة واحد مثل الحلوب والحلوبة والحمول والحمولة. وقال أبو عبيدة: الركوبة تكون للواحدة والجماعة، والركوب لا يكون إلا للجماعة، وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز فمنها ركوبهم بضم الراء لأنه مصدر، والركوب ما يركب وأجاز ذلك الفراء. كما يقال: فمنها أكلهم ومنها شربهم.
(ومنها يأكلون) أي يأكلونه من لحمها ومن للتبعيض، وإنما غير الأسلوب هنا لأن الأكل يعم الأنعام كلها بخلاف الركوب فهو خاص بالإبل


الصفحة التالية
Icon