الكفار جند الله عليهم في جهنم، لأنهم يلعنونهم ويتبرأون منهم، وقيل: المعنى إن الكفار يعتقدون أن الأصنام جند لهم يحضرون يوم القيامة لإعانتهم، ثم سلى سبحانه نبيه ﷺ فقال:
(فلا يحزنك قولهم) الفاء لترتيب النهي على ما قبله فلا بد أن يكون عبارة عن خسرانهم وحرمانهم عما علقوا به أطماعهم الفارغة، وانعكاس الأمر عليهم بترتيب الشر على ما رتبوه لرجاء الخير، فإن ذلك مما يهون الخطر، ويورث السلوة، والنهي وإن توجه بحسب الظاهر إلى قولهم لكنه في الحقيقة متوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول هو ما يفيده قوله: (واتخذوا من دون الله آلهة) فإنهم لا بد أن يقولوا: هؤلاء آلهتنا وإنها شركاء لله في المعبودية، ونحو ذلك.
وهو نهي للرسول ﷺ عن التأثر لذلك بطريق الكناية على أبلغ وجه وآكده، وقيل: إنه نهي لهم عن الأسباب التي تحزن رسول الله ﷺ وإن النهي لرسول الله ﷺ عن التأثر لما يصدر منهم هو من باب: لا أرينك ههنا، فإنه يراد به نهي من خاطبه عن الحضور لديه لا نهي نفسه عن الرؤية، وهذا بعيد، والأول أولى، والكلام من باب التسلية كما ذكرنا، ويجوز أن يكون المراد بالقول المذكور هو قولهم: إنه ساحر وشاعر ومجنون.
(إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون) تعليل لما تقدم من النهي، فإن علمه سبحانه بما يظهرون وما يضمرون مستلزم للمجازاة لهم بذلك، وإن جميع ما صدر منهم لا يعزب عنه سواء كان خافياً أو بادياً سراً أو جهراً مظهراً أو مضمراً، وتقديم السر على الجهر للمبالغة في شمول علمه بجميع المعلومات، وقرىء: إنا بالكسر وبالفتح على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر، وفي كل كلام؛ وكسرها أبو حنيفة وفتح الشافعي وكلاهما تعليل كما تقدم.