ولا نفعتهم شفاعة الشافعين.
فكيف يقال: إنهم انتفعوا بعمل غيرهم؟
ثم قال ابن تيمية:
رابعها: إن الملائكة يدعون ويستغفرون لمن في الأرض وذلك منفعة بعمل الغير.
ونقول: إن الله تعالى بين لنا في كتابه العزيز دعاء الملائكة واستغفارهم وبين لنا كذلك من مِن أهل الأرض تستغفر لهم الملائكة، فقال تعالى في سورة غافر: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩)).
ألم تر كيف وقف الملائكة عند حدهم ولم يطلبوا من ربهم إلا ما يقتضيه عدله وحكمته؟
ليس هذا الدعاء والاستغفار إلا تسبيحاً لله وتنزيهاً له بذكر صفات فضله وعدله ورحمته، فحين أخبر الله تعالى عن ملائكته الكرام أنهم يستغفرون لم يذكر أنهم يستغفرون لكل من دب ودرج على وجه الأرض ولكن ذكر أنهم يستغفرون للذين آمنوا، فدل على أن استغفار الملائكة للمؤمنين من ثواب إيمانهم.
وحين حكى سبحانه قوله بين أنهم لم يقولوا: اغفر لكل مصر على ذنبه، أو مجاهر بمعصية ربه. بل بين أنهم يقولون: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ).
فقد أثنوا على الله تعالى بسعة الرحمة والعلم، وسألوه أن يغفر للذين تابوا واتبعوا سبيله: أي سلكوا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله