إلا الموت في الدنيا والأول أولى.
(إلا موتتنا الأولى) التي كانت في الدنيا، وقوله: هذا كان على طريقة الابتهاج والسرور بما أنعم الله عليهم من نعيم الجنة الذي لا ينقطع، وأنهم مخلدون لا يموتون أبداً، والاستثناء مفرغ، وقيل: منقطع بمعنى لكن (وما نحن بمعذبين) كما يعذب الكفار ثم قال: مشيراً إلى ما هم فيه من النعيم
(إن هذا) الأمر العظيم والنعيم المقيم والخلود الدائم الذي نحن فيه (لهو الفوز العظيم) الذي لا يقادر قدره، ولا يمكن الإحاطة بوصفه.
(لمثل) أي لنيل مثل (هذا) العطاء والفضل العظيم (فليعمل العاملون) فإن هذه هي التجارة الرابحة لا العمل للدنيا الزائلة، وحظوظها المشوبة بالآلام السريعة الانصرام، فإنها صفقة خاسرة، نعيمها منقطع، وخيرها زائل، وصاحبها عن قريب منها راحل، وهذا من تمام كلامه وقيل: إن هذا من قول الله سبحانه قاله ابن عباس وقيل من قول الملائكة والأول أولى.
وأخرج ابن مردويه عن البراء بن عازب قال: " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده في يدي، فرأى جنازة فأسرع المشي حتى أتى القبر، ثم جثا على ركبتيه فجعل يبكي حتى بل الثرى ثم قال: لمثل هذا فليعمل العاملون " وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: " دخلت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مريض يجود بنفسه فقال: لمثل هذا فليعمل العاملون ".
(أذلك)؟ الذي ذكره من نعيم الجنة وهو مبتدأ وخبره (خير) و (نزلاً) تمييز والنزل في أصل اللغة الفضل والريع فاستعير للحاصل من الشيء والرزق الذي يصلح أن ينزلوا معه ويقيموا فيه، والخيرية بالنسبة إلى ما اختاره الكفار على غيره، والمعنى: قل يا محمد لقومك على سبيل التوبيخ والتبكيت والتهكم: أذلك الرزق المعلوم الذي حاصله اللذة والسرور خير نزلاً.


الصفحة التالية
Icon