(إنهم ألفوا) أي وجدوا (آباءهم ضالين) تعليل لاستحقاقهم ما تقدم ذكره، أي صادفوهم كذلك فاقتدوا بهم تقليداً وضلالة، لا لحجة أصلاً قال أبو السعود: أي بتقليد آبائهم في الدين من غير أن يكون لهم أو لآبائهم شيء يتمسك به أصلاً.
(فهم على آثارهم يهرعون) أي من غير أن يتدبروا أنهم على الحق أو لا، مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمل والإهراع الإسراع الشديد، وقال الفراء: الإسراع برعدة، وقال أبو عبيدة: يهرعون يستحثون من خلفهم، يقال: جاء فلان يهرع إلى النار إذا استحثه البرد إليها، وقال المفضل: يزعجون من شدة الإسراع، قال الزجاج: هرع وأهرع إذا استحث وأزعج، والمعنى يتبعون آباءهم في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم وذلك في الدنيا.
(ولقد ضل قبلهم) أي قبل هؤلاء المذكورين (أكثر الأولين) من الأمم الماضية بالتقليد، ورفض الدليل وترك النظر وإيثار التأويل
(ولقد أرسلنا فيهم منذرين) أي أرسلنا في هؤلاء الأولين رسلاً أنذروهم العذاب وحذروهم عواقب التقليد، وبينوا لهم الحق فلم ينجع ذلك فيهم، وكذلك لا ينجع في مقلدة هذا الزمان فما أشبه الليلة بالبارحة.
(فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) أي الذين أنذرتهم الرسل فإنهم صاروا إلى النار، قال مقاتل: يقول كان عاقبتهم العذاب، يحذر كفار مكة، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يتأتى منه التمكن من مشاهدة آثارهم، ثم استثنى عباده المؤمنين فقال:
(إلا عباد الله المخلصين) أي إلا من أخلصهم الله بتوفيقهم إلى الإيمان والتوحيد، وإيثار الدليل، وترك التقليد، وقرىء: المخلصين بكسر اللام أي الذين أخلصوا لله طاعتهم ولم يشوبوها بشيء يغيرها.
ولما ذكر سبحانه أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله فيما سبق فقال:


الصفحة التالية
Icon