سلام على نوح أي سلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين، قال المبرد: أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية يعني يسلمون عليه تسليماً، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي كقوله (سورة أنزلناها)، وقيل: إنه ضمن تركنا معنى قلنا. قال الكسائي: وفي قراءة ابن مسعود سلاماً منصوب بتركنا أي تركنا عليه ثناء حسنا وقيل: المراد بالآخرين أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(في العالمين) أي سلام ثابت أو مستمر أو مستقر على نوح في العالمين من الملائكة، والجن والإنس، وهذا يدل على عدم اختصاص ذلك بأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما قيل:
(إنا كذلك نجزي المحسنين) هذه الجملة تعليل لما قبلها من التكرمة لنوح بإجابة دعائه وبقاء الثناء من الله عليه، وبقاء ذريته أي إنا كذلك نجزي من كان محسناً في أقواله وأفعاله، راسخاً في الإحسان معروفاً به، والكاف في كذلك نعت مصدر محذوف أي جزاء كذلك الجزاء.
(إنه من عبادنا المؤمنين) هذا بيان لكونه من المحسنين وتعليل له بأنه كان عبداً مؤمناً مخلصاً لله وذلك إجلال لشأن الإيمان وشرفه وترغيب في تحصيله والثبات عليه، والازدياد منه. كما قال في مدح إبراهيم: (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) وفيه من الدلالة على جلالة قدرهما ما لا يخفى، فلا يقال: كيف مدح الرسول بذلك؟ مع أن مرتبتهم فوق مرتبة المؤمنين.
(ثم أغرقنا الآخرين) أي الكفرة الذين لم يؤمنوا بالله ولا صدقوا نوحاً معطوف على نجيناه، والترتيب حقيقي لأن نجاتهم بركوب السفينة حصلت قبل غرق الباقين، والشهاب فهم أنه معطوف على قوله: (وجعلنا ذريته) فجعل الترتيب إخبارياً لأن إغراق الآخرين كان قبل جعل ذريته باقين، ثم ذكر سبحانه قصة إبراهيم وبين أنه ممن شايع نوحاً فقال:
(وإن من شيعته لإبراهيم) أي من أهل دينه وممن شايعه ووافقه على الدعاء إلى الله، وإلى توحيده والإيمان به، قال مجاهد وابن عباس أي على


الصفحة التالية
Icon