المفسرون: وكان يونس قد وعد قومه العذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج عنهم وقصد البحر وركب السفينة، فكان بذهابه إلى البحر كالفار من مولاه فوصف بالإباق وهو معنى قوله:
(إذ أبق إلى الفلك المشحون) أي المملوء وأصل الإباق الهرب من السيد، لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه وصف به فهو استعارة تصريحيية أو مجاز مرسل من استعمال المقيد في المطلق وقال المبرد: تأويل ابق تباعد أي ذهب إليه. ومن ذلك قولهم عبد أبق. وقد اختلف أهل العلم: هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إياه أو بعده؟.
(فساهم فكان من المدحضين) المساهمة: أصلها المغالبة وهي الاقتراع، وهو أن يخرج السهم على من غلب، قال المبرد: أي فقارع أهل السفينة، قال: وأصله من السهام التي تجال، والمعنى: فصار من المغلوبين. قال: يقال دحضت حجته وأدحضها الله وأصله من الزلق عن مقام الظفر، قال ابن عباس اقترع فكان من المقروعين.
وعنه قال بعث الله يونس إلى أهل قريته فردوا عليه ما جاءهم به فامتنعوا منه، فلما فعلوا ذلك أوحى الله إليه أني مرسل إليهم العذاب في يوم كذا وكذا فأخرج من بين أظهرهم فأعلم قومه الذي وعد الله من عذابه إياهم فقالوا: ارمقوه فإن خرج من بين أظهركم فهو والله كائن ما وعدكم، فلما كانت الليلة التي وعدوا بالعذاب في صبيحتها أدلج فرآه القوم فحذروا فخرجوا من القرية إلى براز من أرضهم وفرقوا بين كل دابة وولدها ثم عجوا إلى الله وأنابوا واستقالوا فأقالهم الله وانتظر يونس الخبر عن القرية وأهلها حتى مر به مار، فقال: ما فعل أهل القرية؟ قال: إن نبيهم لما خرج من بين أظهرهم عرفوا أنه قد صدقهم ما وعدهم من العذاب فخرجوا من القرية إلى براز من الأرض ثم فرقوا بين كل ذات ولد وولدها، ثم عجوا إلى الله وتابوا فتقبل منهم، وأخر عنهم العذاب، فقال يونس عند ذلك: لا أرجع إليهم كذاباً