(وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به) أي إثم عليكم فيما وقع منكم من ذلك خطأ من غير عمد قبل النهي، فنسبتموه إلى غير أبيه (ولكن) الإثم.
(ما تعمدت قلوبكم) وهو ما قلتموه على طريقة العمد، من نسبة الأبناء إلى غير آبائهم مع علمكم بذلك، قال قتادة: لو دعوت رجلاً بغير أبيه وأنت ترى أنه أبوه، لم يكن عليك بأس بخلاف الحال في زيد فإنه لا يجوز أن يقال فيه زيد بن محمد، فإن قاله أحد متعمداً عصى بقوله هذا، عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي - ﷺ - قال: " من ادعى إلى غير أبيه، وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام " أخرجه البخاري ومسلم.
(وكان الله غفوراً رحيماً) يغفر للمخطىء ويرحمه، ويتجاوز عنه. أو غفور للذنوب، رحيماً بالعباد، ومن جملة من يغفر له ويرحمه من دعا رجلاً لغير أبيه خطأً، أو قبل النهي عن ذلك، أو على سبق اللسان؛ ثم ذكر سبحانه لرسوله مزية عظيمة، وخصوصية جليلة؛ لا يشاركه فيها أحد من العباد فقال:
(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) أي هو أحق بهم، وأرأف، وأشفق في كل ما دعاهم إليه من أمور الدين والدنيا، فإن نفوسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم، وهو يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم، فيجب عليهم أن يؤثروه بما أراده من أموالهم، وإن كانوا محتاجين إليها، ويجب عليهم أن يحبوه زيادة على حبهم أنفسهم، ويجب عليهم أن يقدموا حكمه عليهم على حكمهم لأنفسهم. وبالجملة فإذا دعاهم النبي - ﷺ - لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم.
وقيل: المراد بأنفسهم في الآية بعضهم فيكون المعنى أن النبي - ﷺ - أولى بالمؤمنين من بعضهم ببعض، وقيل هي خاصة بالقضاء أي هو أولى بهم من


الصفحة التالية
Icon