وأنه حق وأنه ليس بمحل للريب قال سبحانه
(بل الذين كفروا في عزة وشقاق) فأضرب عن ذلك وكأنه قال لا ريب فيه قطعاً، ولم يكن عدم قبول المشركين له لريب فيه، بل هم في عزة عن قبول الحق أي تكبر وتجبر وشقاق، أي امتناع عن قبول الحق، يعني ليس الحامل لهم عليه الدليل، بل مجرد الحمية والخصام، والتقليد، والعزة عند العرب الغلبة والقهر، يقال: من عَزَّ بَزَّ أي من غلب أخذ السلب، ومنه (وعزني في الخطاب)، أي غلبني، والشقاق مأخوذ من الشق وهو الخلاف والعداوة، وقد تقدم بيانه، والتنكير فيهما للدلالة على شدتهما وتفاقمهما، وقرىء في غرة أي في غفله عما يجب عليهم من النظر، واتباع الحق، والأول أولى، ثم خوفهم سبحانه وهددهم بما فعله من قبلهم من الكفار فقال:
(كم أهلكنا من قبلهم من قرن) يعني الأمم الخالية المهلكة بتكذيب الرسل، أي كم أهلكنا الذين كانوا أمنع من هؤلاء، وأشد قوة، وأكثر أموالاً و (كم) هي الخبرية الدالة على التكثير، وهي في محل نصب بأهلكنا على أنها مفعول به، ومن قرن تمييز، و (من) في (من قبلهم) هي لابتداء الغاية.
(فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) النداء هنا هو نداء الاستغاثة منهم عند نزول العذاب بهم، وليس الحين حين مناص، قال الحسن نادوا بالتوبة، وليس حين التوبة، ولا حين ينفع العمل، والمناص مصدر ناص ينوص، وهو الفوت والتأخر، ولات بمعنى ليس، بلغة أهل اليمن، وقال النحاة هي لا التي بمعنى ليس زيدت عليها التاء كما في قولهم رب وربت وثم وثمت قال الفراء النوص التأخر، وأنشد قول امرىء القيس:

أمن ذكر ليلى إذ نأتك تنوص فتقصر عنها خطوة وتبوص (١)
_________
(١) غريب القرآن ٣٧٦ والطبري ٢٣/ ١٢٠ ومختار الشعر الجاهلي ١/ ١٢٧ وديوان امرؤ القيس ١٧٧.


الصفحة التالية
Icon