لأنه يراد به الجنس كما يفيده قوله (أولئك هم المتقون) أي المتصفون بالتقوى التي هي عنوان النجاة، قال ابن عباس: يعني اتقوا الشرك: ثم ذكر سبحانه ما لهؤلاء الصادقين المصدقين في الآخرة فقال:
(لهم ما يشاؤون عند ربهم) أي لهم كل ما يشاؤونه من رفع الدرجات، ودفع المضرات، وتكفير السيئات، وجلب المنافع، وفي هذا ترغيب عظيم وتشويق بالغ (ذلك) أي ما تقدم ذكره من جزائهم، وهو مبتدأ وخبره (جزاء المحسنين) أي الذين أحسنوا في أعمالهم، وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، " إن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه، فإنه يراك " (١)، ثم بين سبحانه ما هو الغاية مما لهم عند ربهم فقال:
_________
(١) سبق ذكره.
(ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا) فإن ذلك هو أعظم ما يرجونه من دفع الضرر عنهم، لأن الله سبحانه إذا غفر لهم ما هو الأسوأ من أعمالهم غفر لهم ما دونه بطريقة الأولى، واللام متعلقة بيشاؤون أو بالمحسنين أو بمحذوف قرأ الجمهور أسوأ على أنه أفعل تفضيل وقيل: ليست للتفضيل بل بمعنى سيىء الذي عملوا أو بهذا الاعتبار عم الأسوأ جميع معاصيهم وقرىء أسواء بألف بين الهمزة والواو بزنة أحمال جمع سوء.
ولما ذكر الله سبحانه ما يدل على دفع المضار عنهم، ذكر ما يدل على جلب أعظم المنافع إليهم فقال:
(ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون) إضافة الأحسن إلى ما بعده ليست من إضافة المفضل إلى المفضل عليه بل من إضافة الشيء إلى بعضه قصداً إلى التوضيح من غير اعتبار تفضيل، قال مقاتل: يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوىء، وعم الأحسن جميع حسناتهم، ولولا هذا التأويل لاقتضى النظم أنه يكفر عنهم أقبح السيئات فقط ويجزيهم على أفضل الحسنات فقط.